TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > شرط المصلحة في الدعوى الدستورية عند العميد (روسكو باوند)

شرط المصلحة في الدعوى الدستورية عند العميد (روسكو باوند)

نشر في: 6 أغسطس, 2025: 12:01 ص

هادي عزيز علي

شرط المصلحة في الاصطلاح القانوني هو الفائدة العملية التي يحصل عليها رافع الدعوى عند الاستجابة لطلباته، وان غياب الفائدة مدعاة لعدم قبول الدعوى لذا قيل لا دعوى من دون مصلحة فالمصلحة مناطة بالدعوى، ولم يكتف المشرع بتحقق المصلحة لقبول الدعوى بل اضاف شرطا اخرا وهو ان تكون ثمة المصلحة قانونية أي متضمنة حماية المركز القانوني من الاعتداء او حماية الحق المقرر قانونا، والسعي لجبر الضرر. والمصلٍٍحة كما يقول فقهاء القانون يجب ان تكون شخصية وقائمة ومباشرة وشروط المصلحة هذه افضت الى انحسار دعاوى الحسبة.
شرط المصلحة لقبول الدعوى ليس حقا – كما يعتبرها البعض – بل هو رخصة والفرق معلوم بين الحق والرخصة، والرخصة يعرفها السنهوري بانها: (مكنة واقعية لاستعمال حرية من الحريات ويضيف انها اباحة يسمح بها القانون لأدراك الحق، ويضرب مثالا للتوضيح بالقول حرية التملك هي امكانية الشخص ان يتملك الشيء وعندما يتملكه بشروطه القانونية يكون له حق الملكية وهنا الفرق بين حرية التملك وحق الملكية فالاولى رخصة والثانية حق ومعلوم ان هناك منزلة وسطى بين الرخصة والحق. من هذا الفهم يمكن القول ان شرط المصلحة هو رخصة قانونية للدخول في موضوع الدعوى ومن هنا قيل بان شرط المصلحة ينتسب الى الشروط الشكلية وليس الشروط الموضوعية للدعوى.
شرط المصلحة مطلوب في الدعوى الدستورية اسوة بالدعاوى العادية ولكن بتماهيه مع النصوص الدستورية اذ يلاحظ خلو القانون الناظم لعمل المحكمة الاتحادية العليا من نص يتعلق بشرط المصلحة وان القانون المذكور اكتفى بالنص على تطبيق قانون المرافعات المدنية في حالة عدم وجود نص في قانون المحكمة وهذا يعني تطبيق المادة (6) من قانون المرافعات المدنية المتضمنة شرط المصلحة ونصها: (..أن يكون المدعى به مصلحة معلومة وحالّة وممكنة ومحققة ومع ذلك فالمصلحة المحتملة تكفي ان كان هناك ما يدعو الى التخوف من الحاق الضرر بذوي الشأن). يلاحظ ان هذه المادة فصلت احكامها لتحكم الحالات المتعلقة بالقانون الخاص (القانون المدني) وعلى وجه التحديد المسؤولية المدنية بشقيها العقدي والتقصيري وان اشتراطها ان تكون المصلحة شخصية ومباشرة وتحقق الضرر قد لا يتحقق بالدعوى الدستورية لاختلاف طبيعة الدعويين مما يجعل نصوصها طاردة للعديد من الشروط المطلوبة للدعوى الدستورية لعدم استيعابها لتلك الشروط أي حكم السترة الضيقة كما وصفها شراح القانون.
واستنادا لما تقدم فيجب ان يؤخذ في الاعتبار ان المصلحة في الدعوى الدستورية غيرالتي في الدعوى العادية: 1 - لان الخصومة في الاولى هو نص القانون المخالف للدستور لذا يقال انها (دعوى عينية) في حين ان النص القانوني في الدعاوى العادية ليس خصما 2 – في الدعوى الدستورية ان الاعتداء يقع من قبل السلطات العامة (البرلمان او السلطة التنفيذية عند اصدارهم تشريعات مخالفة للدستور) اما الاعتداء في الدعوى العادية فيقع من قبل الاشخاص بسبب العقد او العمل غير المشروع 3 – المصلحة في الدعوى الدستورية شرط للقبول اما في الدعاوى العادية فهي ركن في الحق 4 – في الدعوى العادية عدم تحقق المصلحة فيفضي الى رد الدعوى وهو حكم موضوعي يحوز حجية الامر المقضي به خلافا للدعوى الدستورية اذ يؤدي الى عدم قبول الدعوى وهو حكم لا يفضي الى حجية الامر المقضي به.
وامام هذه الاشكالية التي تسببها المادة 6 من قانون المرافعات المدنية المفضية الى رد العديد من الدعاوى بسبب عدم تحقق شرط المصلحة اذ وجدنا من المناسب ان نتفيأ بفكر فيلسوف القانون الامريكي العميد الاسبق لكلية الحقوق جامعة هارفرد (روسكو باوند) (1870 – 1964) صاحب نظرية (المصالح) اذ يقسمها الى ثلاث فئات: 1- مصالح فردية 2 – مصالح عامة 3 – مصالح اجتماعية. المصالح الفردية هنا تستوعبها المادة (6) مرافعات لان المصلحة شخصية قائمة تشفع لمن اصيب بضرر وهي ذات الاحكام موضوع المسؤولية المدنية سواء كان مصدرها العقد او العمل غير المشروع ولا وجود للمصلحة العامة او المصلحة الاجتماعية في احكام هذه المادة بدليل – وعلى سبيل المثال - ان الدعوى المرفوعة من قبل رئيس مجلس الوزراء للطعن بنص قانوني مخالف للدستور وعلى فرض قبولها فلا نجد فيها مصلحة شخصية لرافعها كفرد لم يصبه ضرر جراء عدم دستورية النص وانما الصلحة العامة قائمة لرئيس مجلس الوزراء باعتباره المسؤول عن تنفيذ السياسة العامة للدولة وهو ما يقول به (روسكو باوند) وتطبيقا لهذه النظرية صدر حكم بعدم دستورية الفصل العنصري للسود من المدارس في قضية براون ضد مجلس التعليم في توبيكا في القضية 347 /1954 ولو قيض لنا تطبيق المادة 6 مرافعات او أي نص نظير لها على دعوى الفصل العنصري لردت الدعوى لعدم وجود مصلحة شخصية كما ان الضرر فيها عام لا يخص رافع الدعوى وما ينطبق على المصلحة العامة ينطبق على المصلحة الاجتماعية وكلاهما تحت احكام القانون العام (الدستور)، وفي هذا المفترق تجد من اللازم ان يكون نص خاص لشرط المصلحة الدستورية في قانون المحكمة الاتحادية العليا وبخلافه فان رد الدعاوى سيستمر للسبب المذكور.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram