TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > المال بين النفوذ والديمقراطية الاميركية: هل يملك القانون فرصة لاستعادة التوازن السياسي؟

المال بين النفوذ والديمقراطية الاميركية: هل يملك القانون فرصة لاستعادة التوازن السياسي؟

نشر في: 6 أغسطس, 2025: 12:02 ص

محمد علي الحيدري

في لحظة يتزاحم فيها المال على أبواب السياسة الأميركية بلا خجل، يُطل مشروع قانون جديد، قدّمه الديمقراطيان مارك كيلي وإليسا سلوتكين، ليفتح نافذة جدل تتعدى النصوص التشريعية إلى جوهر التجربة الديمقراطية نفسها.
يقترح المشروع حظر الشركات الربحية من إنشاء أو تمويل لجان العمل السياسي (PACs)، تلك الكيانات التي باتت، في نظر كثيرين، الأداة الأخطر لتسلل رأس المال إلى قلب القرار السياسي. إنه مشروع قانون صغير في حجمه، لكنه ثقيل برمزيته. فهو لا يكتفي بإدانة المال السياسي، بل يضعه أمام المساءلة، ويطالب بإعادة تعريف العلاقة بين المصالح الخاصة والإرادة العامة. وعلى الرغم من ضآلة حظوظ تمريره في الكونغرس الحالي، فإن مجرد طرحه يعكس تحولًا في المزاج السياسي، أو على الأقل في وعي بعض صانعي القرار بعمق الأزمة.
لم يعد المال السياسي في الولايات المتحدة مجرّد أداة لتمويل الحملات الانتخابية، بل تطور إلى منظومة متكاملة من النفوذ، تشكّل تحالفًا غير مرئي بين رؤوس الأموال الكبرى ودوائر صناعة القرار.
ففي ظل قرارات قضائية مثل "Citizens United"، التي اعتبرت الإنفاق المالي شكلاً من أشكال حرية التعبير، أصبحت الشركات الكبرى قادرة على ضخّ أموال هائلة لدعم مرشحين بعينهم، أو التأثير على التشريعات من خلف الستار، من دون الإفصاح الكامل عن حجم تدخلها أو دوافعه.
ولأن الحملات الانتخابية في أميركا باتت تعتمد على استراتيجيات تسويقية بالغة الكلفة، فقد أصبح الوصول إلى المناصب رهنًا بقدرة المرشح على اجتذاب المتبرعين، لا بحجم تمثيله الشعبي. وبذلك، تآكلت فكرة "صوت المواطن الواحد" لحساب "الدولار الأعلى صوتًا".
وفي هذا السياق، لا يعود المال مجرد وسيلة تعبير، بل يتحول إلى وسيلة توجيه وهيمنة، تُعيد تشكيل القرار السياسي وفق مصالح أقلية اقتصادية نافذة.
إن الدعوة إلى تجريد الشركات من حق إنشاء وتمويل PACs لا تعني مصادرة حرياتها، بل تعني تحرير السياسة من احتكار من يملك القدرة على شراء النفوذ. وهي معركة صعبة بطبيعتها، لأن السلطة التشريعية التي يُفترض أن تمرّر هذا القانون، تضم في صفوفها من بنى حملته السابقة على دعم تلك الشركات. لكن قيمة المشروع لا تُقاس فقط بإمكانية إقراره، بل بكونه محاولة جادة لكبح مسار تطبّع فيه المال مع السياسة، حتى أصبح جزءًا من نسيجها البنيوي.
هل يمكن لديمقراطية تموَّل بهذا الشكل أن تظل ديمقراطية فعلًا؟
إن الشركات لا تنتخب، لكنها تموّل من يفوز، وتطالب بثمن الدعم قبل أن يُعلَن فوزه. وفي هذا السياق، يصبح السؤال الأهم:
هل ما زالت الانتخابات تعكس إرادة الناس، أم تعيد إنتاج إرادة من يموّل الناس الذين يُنتخبون؟ مشروع كيلي وسلوتكين لن يُحدث انقلابًا في يوم وليلة، لكنه يحرّك الساكن في مياه تبدو راكدة، ويفتح باب النقاش حول: من الذي يملك أميركا فعلًا؟ الشعب، أم من يقدر على تمويله؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram