طالب عبد العزيز
حجبت النصوصُ المقدسةُ عن الباحث والمفكر العربي المسلم آلية الخوضِ في كثير مما تقوم عليه الحياة بشرقنا العربي، وظلت النصوص تلك سيدةَ التصور العام، والمسّلم بها، وغير القابلة للنقاش والدحض، وبذلك صمت هؤلاء عن الخوض في علوم الأجناس الطبيعية، والسلالات، والفيزياء، والكيمياء، ونظريات النشوء ووو.. وكفّوا عن ممارسة أيِّ دور في تفكيك منظومة الكون والخلق والانسان والنظريات الجينية وسواها اللهم إلا من قلَّةٍ تجرأت هنا وهناك، الذين لاقوا الامرّين من عنتٍ وتشدد، أودى بحياة بعضهم، وأقعد البعض الآخر وبذلك سادت النصوص تلك، ولتصبح وتمسي المرجع الأول والأخير، بعد توقّف العقل المفكِّر عن أداء دوره في التطور.
ليست النصوصُ المقدسة وحدها من حجب البحوث في الشؤون تلك، إنّما المجتمع بتقاليده الصارمة وعاداته المتوارثَة أيضاً. شخصياً أستغربُ من ندرة الدراسات التي ترصد الظواهر الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، الطقوسية مع وجود عشرات الأساتذة الاكاديميين الذين تعجُّ بهم أروقة الجامعات العراقية بخاصة وأسأل: أين هم من ظاهرة صالونات الحلاقة والمساج والبلوكرات والفاشنستات الجديدة على مجتمعنا والتي تطالعنا في وسائل التواصل الاجتماعي؟ هذا العُري الفاضح، وهذه الدعارة المصرّح بها من بعضهنَّ أحياناً، وهذه الأموال والسيارات التي بحوزتهن، وما معنى وجودهنَّ القوي والفاعل في السياسة، واستخدامهن في حملات الانتخابات، من يقف وراءهن، ومن المنتفع؛ ولماذا؟ وكيف تبرز الظواهر هذه في مجتمع يوصف بالمحافظ، وفي ظلِّ نظام يوصف بالاسلامي، بوجود الآلاف من المساجد والحسينيات والمراجع والمشايخ والخطباء والوعاظ فضلاً عن الجماعات الدينية المسلحة؟
وهناك ظواهر أخرى، غريبة، تمكنت من المجتمع العراقي حتى أصبحت بحكم الواقع والصحيح مثل ظاهرة التدين التي لا علاقة لها بالدين، والاسلمة التي لا علاقة لها بالإسلام، وتبرير الثراء غير المشروع بالآيات والاحاديث، والخروج عن أصول العزاء العاشورائي تحت مسميات مختلفة، وإيجاد الذرائع غير المنطقية له، وغرضنة الدين والمذهب في ما لا يصحُّ غرضنته، وهناك إفراط في الاتاحة والمنع، في الغلو والتشدد، في التقديس والشتم، في فهم الكرم والسرقة، في الإحياء والقتل، في الغنى والفقر، في المجاهرة بالإيمان الكاذب؛ بوجود الفسق المعلن، وتشريع الفساد بمسمى النعمة الإلاهية المساقة لصاحبها، وغير ذلك الكثير، وهي أكبر من تُرصد وتُوصف في مقال صحفيٍّ قصير، هذه الظواهر بحاجة الى توقّف الباحثين، فلاسفةَ وعلماءَ السسيولوجيا والانثربولوجيا، والمشتغلين في حقول البحث العلمي، المجرّد من التأثيرات الدينية، وهم بيقيننا كثرٌ في جامعاتنا.
ربما، نقول بأنَّهم يخشون الخوض في هذه وتلك، بسبب ظروف البلد الموضوعية، التي لا تسمح لهم، وربما، اكتفى بعضهم بالدرجة العلمية الرفيعة سبباً لمعيشته، منتفعاً بالراتب المجزي الذي يتقاضاه، وقد نقول ونقول ونقول لكننا، قد نقطع بقولنا: إنَّ كثيراً منهم تماهى مع السردية الدينية؛ ومقولة رجل الدين؛ وذهبَ بشكوكه الى قطع علاقته مع أفكاره وعلومه التي درسها، وهنا يكمن الخطر، حيث تصبح كل الممارسات المخيفة تلك جائزةً بحكم صمت العالم والمفكر(الانموذج) عنها، وبذلك يفقد المجتمع حقَّه في التفكير والتغيير، فقد سقط الانموذج أمامه، وتسيّدت السردية تلك، لا بقدرتها على الاقناع، إنّما بامتناع محاورتها وتفكيكها، فأين هؤلاء من الحرية التي نفهمها كطريق الى الخلاص من الكذب والنفاق الاجتماعيين، في أقل تقدير؟ ولماذا تملأ المؤسسة الدينية المتأسلمة كلَّ شاغر في حياتنا؟ فنجدها في الهيمنة على التعليم والمال والسياسة والثقافة والصحة والاقتصاد والقضاء. ثم لماذا تقرن كلُّ سبل التغيير بالدين، وقد أثبتت فشلها في مصر وتونس وسوريا والعراق؟










