بغداد/ تميم الحسن
تقترب فصائلُ مسلّحةٍ من النزول إلى الشارع – وفق تحذيرات سياسيين – في سيناريو مشابهٍ لما حدث قبل أكثر من عامين، حين ضيّقت الحكومةُ السابقةُ الخناق على تحركات هذه الجماعات.
وبحسب مصادرَ مطّلعةٍ، يُفترض أن تنفّذ السلطاتُ العراقيةُ اتفاقًا سابقًا مع الولايات المتحدة، يتضمّن "سحب السلاح" و"حلّ" هذه المجاميع بشكلٍ نهائي.
وخلال الشهرين الماضيين، تزايد تورّطُ الكياناتِ المسلّحةِ في هجماتٍ استهدفت "مواقعَ عسكريةً" و"منشآتٍ نفطيةً" و"دوائرَ رسميةً".
وتقول مصادرُ سياسيةٌ قريبةٌ من "الإطار التنسيقي" إن بعضَ الفصائلِ بدأت تصعيدًا ضد السلطة، وقد تقرر النزول إلى الشارع إذا جرى إبعادها عن ممارسة بعض نشاطاتها.
وفي عام 2022، قامت بعضُ هذه الفصائل بتطويق المنطقةِ الخضراء وسط بغداد، وحاولت أكثر من مرة اغتيال رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، على خلفية اعتقال عناصرَ منها متهمةٍ بضرب المصالحِ الغربيةِ والدبلوماسيةِ في العراق.
وتؤكد المصادرُ ذاتُها، التي تحدثت لـ(المدى) وطلبت عدمَ ذكرِ هويتها لحساسية المعلومات، أن تلك الفصائلَ التي تُوصَف بـ"المتمرّدة" أصبحت "شبه متقاطعةٍ" مع الحكومةِ ومع الإطار التنسيقي، وقد تعمل ضدهما.
"وقعنا بالفخ"
وشنّت "كتائبُ حزب الله" – أحد أكبر الفصائلِ المسلّحةِ في العراق – هجومًا على رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وعلى شخصيةٍ شيعيةٍ لم تسمِّها صراحةً ووصفتها بـ"الخائنة"، على خلفية "اشتباكات السيدية" التي جرت الأسبوع الماضي، وتمّ اتهامُ الفصيلِ بالضلوع فيها.
وقال المسؤولُ الأمنيُّ في "كتائب حزب الله"، أبو علي العسكري، في منشورٍ مطوّلٍ على منصات التواصل الاجتماعي حول حادثة دائرة زراعة الكرخ في السيدية ببغداد، إن ما جرى كان "فخًّا محكمًا" نُسجت خيوطُه "على يد أحد خونةِ الشيعة – كما وصفه القائد قاسم سليماني – بالتنسيق مع زمرةٍ من اللصوصِ والضباطِ الفاسدين".
وأضاف: "إذ اقتحم بعدها السيدُ رئيس الوزراء بجيشه الجرار، لا لشيءٍ سوى أنه (زعلان على إعلام الكتائب) بسبب مواقفِنا الثابتةِ في القضايا الوطنية والسيادية الكبرى".
وتابع العسكري: "قد نلتمس العذرَ للأخ السوداني، لأنه حديثُ عهدٍ بالعمل العسكري والأمني. فهو مديرٌ ناجحٌ، لكنه لم يكن يومًا قائدًا ناجحًا، ولن يكون. ومن هنا ندعو قادةَ الإطار إلى تحمّل مسؤولياتهم التاريخية بجديةٍ وحزمٍ قبل أن يُسدل الستارُ على إرثهم السياسي".
وكان بيانٌ عسكريٌّ قد اتهم اللواءين "45" و"46" في الحشد الشعبي بالمسؤولية عن الهجوم على مديرية الزراعة، ما تسبّب في مقتل شخصين، أحدهما مدنيٌّ.
وسخر البيانُ في روايته للحادث من القوات الأمنية، قائلًا: "إن الجيش الجرار الذي أرسله السوداني، والمدجّج بالسلاح والمحصّن بالمدرّعات والمصفّحات، وفيه عناصرُ ممتلئو الأجسامِ وذوو شوارب كثيفة، لم يصمد أمام مجموعةٍ من الشباب الذين لم يخرجوا لقتلِ عراقيّ، بل لنجدةِ ذويهم. فكيف إذا واجهوا مقاتلي أهل الشام ودواعش الغرب المدعومين بجيوش التكفير من التتار والإيغور وغيرهم من ذوي الخبرات القتالية الإجرامية المتراكمة؟".
وكان "حزب الله" العراقي قد قدّم روايةً مغايرةً في بيانٍ سابقٍ حول الحادث، حمّل فيه "ضابطًا منفعلًا" من حماية المديرية مسؤوليةَ الاشتباك، مؤكّدًا أن تدخلَ الحشد الشعبي جاء بعد "استنجادِ محاصَرين" داخل البناية بـ"ذويهم القريبين من موقع الحادث قرب (معسكر الصقر)".
وقررت "الكتائبُ" في بيانها الجديد إيقافَ عملها في مشروع "طوق بغداد" أو ما يُعرف بمناطقِ حزام بغداد، حيث تُتَّهم هذه الجماعاتُ بالاستيلاء على الأراضي والتنافس مع فصيلٍ شيعيٍّ آخر.
وكانت الحكومةُ قد فتحت تحقيقين بالحادث: الأول حول تفاصيلِ الهجوم على الدائرة الحكومية، والثاني بشأن الاستيلاء على الأراضي في المناطق المحيطة بالعاصمة.
وتزامنت هذه التطوراتُ مع استمرار التحقيقاتِ في هجماتٍ حدثت في شهري حزيران وتموز الماضيين، استُهدفت عبر "مسيراتٍ مفخخةٍ" لتخريب "راداراتٍ عسكريةٍ" و"حقول نفطٍ" في دهوك، فيما يجري نقاشٌ حول "دمج الحشد" أو "تفكيكه".
بدلات رجال السياسة
وتقول المصادرُ القريبةُ من التحالفِ الشيعي إن "حلّ الفصائل" هو اتفاقٌ قديمٌ بين الإطار التنسيقي والإدارة الأمريكية في 2022، حين تولّى الأولُ السلطة.
وتؤكد المصادرُ أن إدارةَ جو بايدن السابقة كانت غيرَ حاسمةٍ في هذا الملف، لكن إدارةَ دونالد ترامب قد لا تقبلُ بالتسويف.
وفي نهاية 2024 ومطلع 2025، كشف عمار الحكيم، زعيمُ تيارِ الحكمة ومستشارٌ حكوميٌّ سابق – أُبعِد بعد ذلك عن منصبه – عن مطالباتٍ أمريكية بـ"حلّ الحشد" أو "توجيه ضرباتٍ" له.
وتضغط واشنطن بشدّةٍ على منع البرلمان من تمرير "قانون الحشد"، الذي تعتبره "تكريسًا للنفوذ الإيراني في العراق"، بحسب الخارجية الأمريكية.
ويرى إحسان الشمري، رئيسُ مركزِ التفكير السياسي، في حديثٍ لـ(المدى)، أن "الإطارَ التنسيقي يسعى لكسبِ الوقت عبر تمرير قانونٍ أو إطلاقِ مبادرةٍ حول الحشد، لحين إجراءِ الانتخابات المقبلة".
وحتى الآن، يتردّد قادةُ الإطار، بمن فيهم المتحمسون لقانون الحشد، في عرض المسودة التي اكتملت منذ أكثر من أسبوع، فيما تشير المعلوماتُ إلى تأجيل إقرارِ القانون إلى الدورة المقبلة.
ويُفترض أن قانونًا سابقًا يتعلّق بالتقاعد والخدمة في الحشد، سحبته الحكومةُ قبل شهرين، كان سيُطيح بـ"ألفِ قياديٍّ في الحشد"، وفقًا لعضو تحالف (الإعمار والتنمية) النائب محمد الصيهود.
وكان هذا القانونُ قد سُحب لصالح فالح الفياض، بحسب قيس الخزعلي، زعيمِ "العصائب"، لأنه قد يُحيله إلى التقاعد، بينما تجنّبت مسودةُ "هيكلة الحشد" الحالية ذكرَ تفاصيلَ عن خدمةِ المقاتلين أو القيادات.
ويرجّح أحمد الياسري، الباحثُ في الشأن السياسي المقيم في أستراليا، أن "الإطارَ التنسيقي وحتى طهران قد يرضيان بتفكيك الحشد مقابل الحصول على مناصب".
ويضيف الياسري لـ(المدى): "في أسوأِ السيناريوهات، وهو حلُّ الحشد، لن تفكّر طهران في خسارة كل شيء، بل ستسعى لتحويل هذه الجماعات إلى موظّفين في مواقعَ سياسيةٍ مهمة".










