ترجمة: عدوية الهلالي
يُعرض حاليا فيلم "دراكولا"، وهو أحدث أفلام لوك بيسون الروائية، في دور العرض، والذي يُقدم فيه المخرج الفرنسي رؤيته الخاصة لفيلم خيالي كلاسيكي من أفلام السينما والأدب، عن قصة مصاص الدماء الشهير وقصة حب تمتد عبر القرون.
دراكولا،هي قصة رجل، يفقد زوجته، فيختار إنكار الله ويُحكم عليه بالسجن المؤبد، بعد أن أصبح مصاص دماء، ولا يملك سوى هدف واحد: العثور على حبه المفقود. وعلى الرغم من المظاهر، لم يكن هدف المخرج لوك بيسون أن يُخرج فيلم رعب، بل دراما رومانسية. ويوضح قائلا: "الفكرة هي في الواقع الخوض في قصة حب تمتد لأربعة قرون، وعندما تشاهد الفيلم، ستخرج منه وتتساءل: أين نحن الآن؟".
ويعود لوك بيسون إلى الرواية الأصلية للكاتب الأيرلندي برام ستوكر، المنشورة قبل 130 عامًا (دراكولا)، ذلك المخلوق الذي ألهم المخرجين أكثر من 150 فيلمًا، غالبًا ما تكون مرعبة، وأحيانًا أخرى فكاهية. ويقول أدريان بارتي، مؤلف كتاب "علم مصاصي الدماء": "هناك علاقة بالموت، ومسألة مكانة المرأة في المجتمع. إنها بوضوح علامة على قلقنا ومخاوفنا. ولعل هذا ما يفسر انتشار الرواية على نطاق واسع".
مع دراكولا، يسعى لوك بيسون إلى تحقيق نجاح شعبي جديد: فبميزانية قدرها 45 مليون يورو، تُعدّ هذه أكبر ميزانية لفيلم فرنسي هذا العام. وبهذا الفيلم، ينضم لوك بيسون إلى قائمة المخرجين الذين اقتبسوا أعمال برام ستوكر للسينما إذ ألهمت رواية مصاصي الدماء الشهيرة (الصادرة عام ١٨٩٧) الكثيرين، بمن فيهم تود براوننج، وداريو أرجينتو، وخاصةً فرانسيس فورد كوبولا. وفي هذه النسخة الجديدة، يروي المخرج قصة حب بين الأمير فلاديمير والأميرة إليزابيتا، اللذان التقيا بعد عدة قرون متقمصين شخصية الكونت دراكولا ومينا الشابة. ومع عنوان "دراكولا: قصة حب"،يُعلن لوك بيسون فورًا عن نيته استكشاف الجانب الرومانسي للرواية. ولمَ لا، إلا أن المخرج يُرسّخ نفسه في سردية مبتذلة، راسمًا صورة لقصة حب سطحية.
في باريس عام 1889. حيث كانت العاصمة، التي زُيّنت حديثًا ببرج إيفل، تحتفل بالذكرى المئوية للثورة الفرنسية. في هذا الإطار، تدور أحداث فيلم دراكولا للمخرج لوك بيسون. لكن أولًا، يعود المخرج إلى أعماق ترانسلفانيا في العصور الوسطى، حيث يعيش الأمير فلاديمير وزوجته إليزابيتا قصة حبٍ جامحة حتى يوم المعركة المشؤومة ضد العثمانيين، والتي تُصاب خلالها الأميرة التي نُصب لها كمين بجروح قاتلة فيغمر الأمير فلاديمير الحزن، ويتهم الله والدين بأنهما سبب شقائه، وهو كفرٌ يُسبب له لعنةً وحكمًا أبديًا. ومنذ ذلك الحين، يأمل الكونت دراكولا أن يرى حبيبته تتجسد في عصرٍ آخر، في رحلةٍ تقود مصاص الدماء إلى فرنسا في القرن التاسع عشر..
ويُمثّل هذا الإصدار عودة لوك بيسون إلى سينما الخيال. ولتجسيد هذا العالم القوطي، يستعين المخرج بطاقم تمثيل عالميّ متنوع للغاية. ففي دور دراكولا الرئيسي، نجد كاليب لاندري جونز، الذي لعب دور البطولة في فيلم "دوغمان" عام ٢٠٢٣، والذي يشارك الشاشة مع الممثلة الرائعة زوي بلو. الممثلة البالغة من العمر ٣٠ عامًا، والتي لا يعرفها الجمهور. انها ليست مجهولة تمامًا؛ فهي ابنة روزانا أركيت، التي لعبت دور البطولة في فيلم لوك بيسون الناجح "الأزرق الكبير" عام ١٩٨٨حيث يُشكّل غيوم دي تونكيديك وكريستوف والتز، اللذان يلعبان دور طبيب وكاهن على التوالي، ثنائيًا غير متوقع في هذا الفيلم المُقتبس من الرواية، والذي ينقله المخرج إلى العاصمة الفرنسية.
وكعادته، يبذل مخرج فيلم "العنصر الخامس" قصارى جهده، هذه المرة ليغمر جمهوره بأجواء قوطية ورومانسية فيقدم لوك بيسون فيلماً يجمع بين الرعب وطابع العصر، متأثراً جمالياً بأسلوب المخرج الفرنسي المخلص للرواية الصادرة عام 1897. ويُظهر لوك بيسون إتقانه لقواعد كلا النوعين السينمائيين، ويجمع بينهما لخلق عالم مرعب تتخلله موسيقى داني إلفمان الفخمة (ملحن تيم بيرتون المفضل).
وتتدفق اللقطات بسلاسة كفيديو موسيقي، مع وفرة لا متناهية من الأزياء، واختيارات تشهد على تأثير الإعلانات والحيل في أعمال لوك بيسون. كما ان بساطة الحوار، الممزوجة بروح الدعابة، تُعوّض عن هذا الكم الهائل من المؤثرات البصرية المذهلة.
وعلى الرغم من هذه العناصر المشجعة، يصعب تحديد السبب الذي دفع لوك بيسون إلى تناول قصة دراكولا. فلم تكن الرغبة في تحديث أعمال برام ستوكر من بينها. بل استخدم المخرج رواية مصاصي الدماء كذريعة لقصة حب صاخبة، مليئة بالصور النمطية التي اعتُبرت بالية
كان التحدي كبيرًا، فتصوير قصة حب امتدت لقرون تطلب تفسيرًا موثوقًا لحب قوي. والنتيجة مخيبة للآمال لسبب بسيط إذ يصور المخرج علاقة مبتذلة تتلخص في رغبة جنسية سخيفة نوعًا ما ونظرة ذكورية حاضرة في كل مكان فيمنع غياب الحوار والتمثيل الجنسي المفرط أي شكل من أشكال العاطفة.
يُمجّد الفيلم رؤية امرأةٍ من خلال نظرة زوجها، فلا وجود لها إلا من خلال رغبتها، ثم ذكراها، وأخيراً خسارتها. وتُعامل إليزابيتا، التي تتجسد في صورة مينا، بقسوةٍ من البداية إلى النهاية، وتُحرم من السعادة، ويُحكم عليها المخرج بالعيش في عزلةٍ ومعاناة. ورغم أن دور الأميرة مثيرٌ للاهتمام، إلا أنه يبقى دور امرأةٍ سلبية. ولحسن الحظ، يُجسّد أداء زوي بلو رسالة الفيلم بطرقٍ عديدة، وينجح –عبر منحها شخصيتها الفردية - في غرس الإنسانية في هذه الشخصية المُضحّى بها.
وربما لا تكمن لعنة الفيلم الحقيقية في تلك التي تُصيب دراكولا، بل في لعنة زوجته، لعنة أن يقع في الحب رجل مثله ويصبح دراكولا محكومًا عليه بالتيه عبر العصور، ولن يكون لديه سوى أمل واحد: العثور على حبه المفقود..
لوك بيسون يعود إلى الشاشة الكبيرة برؤيته الخاصة لمصاص الدماء الشهير" دراكولا"..

نشر في: 7 أغسطس, 2025: 12:01 ص









