علاء المفرجي
- 1 -
تتعمق معرفتنا بعناصر العملية السينمائية، حينما نضع السيناريو (أو النص السينمائي) في حيز مهم، باعتباره هيكل المنجز السينمائي واساس ابداع البنية الفلمية، فهو الذي يقرر نجاح العمل ويحدد نتيجته الفكرية والفنية.
من وجهة النظر التاريخية بنيت السينما على اساس نص، فقد تحددت اهمية النص بالنسبة للشريط السينمائي في وقت مبكر من تاريخ الفلم ورغم المحاولات التجريبية الاولى لرواد صناعة الفلم (لومبير وميلييه) التي ابتدأت بها السينما، وهي محاولات وثائقية (تصوير قطار لحظة دخوله المحطة او خروج العمال من المعمل)، فان عبقرية احدهما وهو ميلييه- تجلت كما حددها سادول- في استعماله (بصورة منتظمة) وسائل المسرح، كقصة سينمائية، والممثلين، والملابس، وتقسيم الفلم الى مشاهد وفصول.. الخ، كل هذه (المكتسبات) تم بالاحتفاظ بها الى اليوم.
مع التطور المتسارع لفن السينما، تكوّن شكل السيناريو ببطء. ففي عصر الفلم الصامت كان السيناريو يسجل على شكل مجموعة من اللقطات-المقاطع القصيرة والمرقمة يُسجل في كل منها باختصار الجوانب الخارجية من عناصر المشهد، وحركات الممثلين، وبدلاً من الحوار هناك التعليقات المكتوبة التي تظهر بين اللقطات ومع الكشوفات العظيمة في مجال المونتاج للرواد العظام (غريفيت وايزنشتين وبودوفكين)، أعطيت للسيناريو اهمية اكبر في السينما الصامتة، فقد احتل المونتاج دوراً مهماً في تحديد شكل السيناريو وتكوين المشاهد الدرامية فيه واضحى السيناريو واحداً من الحلول الفنية في التكوين البصري للفلم.
مع مجيء الصوت، ودخول الفلم عصر السينما الناطقة، احتاجت السينما ان تخوض اشرس معاركها كي تؤكد استقلالها الفني امام المسرح، حيث اصبحت الافلام عبارة عن مسرحيات مصورة، واتجه كتاب السيناريو في بداية عهد السينما الناطقة الى وضع الجانب الصوتي (ومن ضمنه الحوار) والجانب البصري منفصلين في السيناريو، واخذت السيناريوهات تقترب اكثر فاكثر من شكل المسرحية مع هيمنة الحوار على نسيج الفلم.. وبدأ السيناريو يفقد مكانته، لان تصوير المسرحيات على الشاشة تصويراً حرفياً جعل السينما تقوم بعمل الآلة فحسب لكن السيناريو- وبفضل الافلام الفنية- اكتسب من خلال الفلم الناطق اهمية استثنائية حيث لم يقتصر على تحديد الحوار، بل في وضعه بصورة متناغمة مع المشهد وبتأثير المتغيرات الجديدة هذه، التي مرّ بها فن الفلم، تعاظم دور النص السينمائي،واصبحت نصوص الجزء الاكبر من الافلام اعداداً عن مصادر ادبية، ومن هنا نشأت اشكالية العلاقة بين الفلم والادب وهي اشكالية احتلت مساحة واسعة من الجدل الى يومنا الحاضر وهو جدل منطقي حينما نسلم بان الادب والفلم "يميلان الى حل المعضلات بصورة مختلفة، وان المحتوى الحقيقي لكل وسط خاضع للتحكم العضوي للشكل".
هكذا تحققت الطبيعة الجديدة للسيناريو نضجه، ويصبح فناً ادبياً مستقلاً.. ويغدو له كتابه المتخصصون، اضافة الى لجوء كثير من كتاب الادب الى الكتابة للسينما.
ان هذا التحول الذي شهده السيناريو، وتعاظم اهميته في صنع الافلام، طرح تساؤلات كثيرة حول جدوى الاعداد الادبي في السينما، والمصادر الادبية المهيأة اكثر من غيرها لهذه الاعداد، وتثبيت هوية السينما بوصفها فناً بعلاقتها مع الادب (الرواية بشكل خاص).









