بغداد/ تميم الحسن
أكد رئيس مجلس النواب، محمود المشهداني، عدمَ صحة الجلسة التي عقدها البرلمان يوم الثلاثاء الماضي، والتي شهدت اشتباكات بالأيدي ولكمات بين أعضاء المجلس، وتطايرت خلالها "الأحذية" و"قناني الماء".
وتُشير عدة أسباب يُرجَّح أنها دفعت إلى "عراك النواب" ورفع الجلسة بعد أقل من نصف ساعة، في مقدمتها أزمة "قانون الحشد الشعبي" الذي تتسع جبهة معارضيه، إضافة إلى الخلاف على توزيع المناصب في مؤسسات مهمة.
وقد يفتح التصويت على قانون الحشد، الذي حذّرت واشنطن من تشريعه أكثر من مرة، البابَ أمام اتهاماتٍ لجماعاتٍ مسلحةٍ بالاستحواذ على "مبالغ هائلة"، وفق وصف سياسيين، نتيجة التلاعب بأملاكٍ وأراضٍ داخل العراق.
وقال المشهداني في بيانٍ موجَّه إلى نائبيه وأعضاء المجلس وتشكيلات البرلمان: "استناداً إلى أحكام المادة (34/ثانياً) من النظام الداخلي لمجلس النواب، التي تنص على اختصاصنا بافتتاح جلسات المجلس وترؤسها، ونظراً لقيام النائب الأول بافتتاح الجلسة بتاريخ اليوم خلافاً لذلك، رغم تواجدنا في المجلس وعدم غيابنا أو تعذّر قيامنا بمهامنا، وعدم تخويلنا إياه بافتتاحها، خلافاً لأحكام النظام الداخلي للمجلس، نُعلن عدمَ صحة الجلسة، وعدمَ الاعتداد بما ترتب عليها، لكون ما بُني على باطلٍ فهو باطل".
وتنص المادة 34 من النظام الداخلي لمجلس النواب في فقرتها الثانية على: "افتتاح جلسات المجلس وترؤسها".
وأضاف المشهداني: "أيّ جلسة من جلسات المجلس لا يجوز أن تُعقد بغير رئاستنا، إلا في حالة غيابنا أو تعذّر قيامنا بمهامنا، وعندها نُعلِم عن هذين الظرفين تحريرياً في وقتٍ يسبق عقد الجلسة، حتى لا تكون هناك ذريعة لترؤس الجلسات دون مسوّغ قانوني".
وبثت منصات إخبارية وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطعَ فيديو للشجار والفوضى، وتقاذف الأحذية وقناني الماء وتبادل اللكمات، التي اندلعت بعد سجالٍ بين رئيس المجلس محمود المشهداني والنائب علاء الحيدري بخصوص استمرار الجلسة، التي شهدت خلافاتٍ على توزيع مناصب رئاسة "مجلس الخدمة" و"مجلس الدولة" بين السنة والشيعة، إضافةً إلى محاولة تمرير "قانون الحشد".
وذكر الموقع الرسمي لمجلس النواب أن الجلسة أُلغيت "بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني". وكان بيانٌ سابق للمجلس، قبل وقوع الفوضى، قد أكد أن "مجلس النواب عقد جلسته الرابعة من الفصل التشريعي الثاني للسنة التشريعية الرابعة – الدورة الانتخابية الخامسة، برئاسة النائب الأول لرئيس المجلس محسن المندلاوي"، مضيفاً أن "عدد الحضور بلغ 169 نائباً".
ويتحقق النصاب في البرلمان بحضور الأغلبية المطلقة لعدد أعضائه (النصف زائد واحد، أي نحو 165 نائباً)، وفق المادة 23 من النظام الداخلي للمجلس. ومنذ أكثر من 10 أشهر، يفشل البرلمان في عقد جلسات مكتملة النصاب، إذ لم يعقد سوى أقل من 15 جلسة منذ تشرين الأول 2024، تاريخ انتخاب المشهداني رئيساً للمجلس.
استثمار الفرصة
يقول مختار الموسوي، النائب عن منظمة بدر، إن القوى المؤيدة لتمرير "قانون الحشد الشعبي" "تنتظر أيّ جلسة يكتمل فيها النصاب لوضع المسودة على جدول الأعمال"، بحسب تصريحه لـ(المدى).
وكان إخفاق البرلمان المتكرر في عقد جلسات طوال الأشهر الماضية مرتبطاً بدايةً بخلافاتٍ على تعديل قانون الانتخابات، إذ اتهم فريق رئيس الحكومة محمد شياع السوداني أطرافاً برلمانية بعرقلة تمريره، قبل أن تتصدر أزمة "قانون الحشد" المشهد مؤخراً.
وقبيل انعقاد الجلسة، وجّه النائب محمد رسول الرميثي طلباً مرفقاً بتواقيع عدة نواب إلى رئاسة المجلس لإدراج مشروع قانون الحشد الشعبي على جدول أعمال الجلسة. لكن جدول أعمال جلسة الثلاثاء، الذي أُعلن في اليوم السابق، تضمن مناقشة والتصويت على عشرة مشاريع قوانين، لم يكن بينها قانون الحشد الشعبي.
وبحسب عامر الفايز، رئيس كتلة تصميم وأحد قيادات الإطار التنسيقي، فإن التحالف الشيعي "متفق تماماً على قانون الحشد الشعبي، لكن بعض أطراف الإطار تريد التريث". وأوضح الفايز في مقابلة تلفزيونية أن أسباب التريث تتعلق بـ"رفض باقي الشركاء للقانون، وضرورة مراعاة موقف الحكومة إزاء الموقف الدولي".
وتابع: "الاعتراض على القانون لا يأتي من الكتل السنية أو الكردية فقط، بل من بعض الأطراف الشيعية أيضاً، إذ لن يدخلوا القاعة للتصويت إذا طُرح القانون دون تفاهماتٍ مسبقة".
ملفات مخفية
وبدت واشنطن مؤخراً أكثر حزماً في رفض تمرير "قانون الحشد"، من خلال تصريحات وزارة الخارجية الأميركية.
ويؤكد مثال الآلوسي، النائب السابق، أن "الولايات المتحدة تعتبر الحشد الشعبي والفصائل المسلحة أذرعاً لإيران، وتموّل كيانات مسلحة أخرى في المنطقة"، وفق ما قاله لـ(المدى).
ويكشف الآلوسي عن وجود ملف أمام الإدارة الأميركية حول "تلاعب فصائل بأصول ملكية أراضٍ وعقاراتٍ تصل قيمتها السوقية إلى 34 مليار دولار".
وأوضح أن هذا التلاعب تم عبر "تحويل ملكية أراضٍ تابعة للدولة وأخرى تعود لأقليات ومكونات عراقية، وتحويل الأموال لدعم الحرس الثوري الإيراني وبقية الميليشيات التابعة له".
وبيّن النائب السابق أن جزءاً من هذه الممتلكات "يقع في محيط بغداد، وأراضٍ تابعة لوزارة المالية العراقية، وأراضٍ قرب كراج النهضة في بغداد، إضافةً إلى بناياتٍ وأسواقٍ عديدة، وعقاراتٍ على ضفاف الأنهار في بغداد والمحافظات والبصرة، حيث تستولي الفصائل على أموال إيجارات تلك الممتلكات، أو مبالغ المساطحات، أو عبر بيعها".
ولتجنّب فتح مثل هذه الملفات أو غيرها مما قد يترتب عليه "عقوبات اقتصادية"، يدعو نوابٌ شيعة، ومن بينهم عامر الفايز، إلى الحوار مع واشنطن.
ويقول الفايز: "يمكن التفاهم مع الجانب الأميركي حول قانون الحشد الشعبي، وهناك قنوات تواصل مفتوحة معهم بهذا الشأن".










