وميض إحسانلا أستطيع تجاهل، وكثيرون غيري، حديث النائب عن قائمة دولة القانون عزت الشاه بندر لوكالة كردستان للأنباء "آكانيوز"، موضحاً موقفه، ولعله موقف قائمته، تجاه التظاهرات الشعبية يوم الخامس والعشرين من شباط الماضي، وعارضاً توصياته للحكومة وما ينبغي ان تفعله تجاه مطالب الجماهير..غريب ان يتحدث نائب عن الشعب ضد مصالح الشعب.. وان يضع نفسه في موقع مجابهة غير عادلة مع من يفترض إنهم ناخبوه، إذا كان طريقه إلى مجلس النواب كان عبر الناخبين!؟ فيدعو الحكومة الى عدم الخنوع في مواجهة الجماهير، او الخضوع أمام التظاهرات الشعبية المطالبة بإصلاح النظام، ويصف استجابة الحكومة لمطالب الناس بأنها ستدفع البلاد الى الهاوية..
وأكثر غرابة أن يحاول نائب الشعب تأليب الحكومة على الشعب، حين يصف تلك الاستجابة بأنها احد أشكال الضعف في القيادة، ويطالب بالدفاع عن النظام والعملية السياسية..ويبدو ان الكثيرين لا يتفهمون فكرة ان تظاهرات الاحتجاج الشعبية في كثير من تفاصيلها، انما تعكس سيولة الوعي الاجتماعي في التعامل مع المشكلات التي تواجهها الحكومات قبل ان تمثل معاناة الناس، وهي الكاشف الحقيقي عن حيوية المجتمعات في رفضها الظلم والحرمان، وأكثر ما يحتاجه العراقيون في هذه المرحلة من تاريخ العراق هو استيعاب ثقافة الاحتجاج التي عادة ما تقود الى توعية السلطات وتذكيرها بمسؤولياتها. ليس خافياً على أحد، ان الجماهير التي خرجت يوم جمعة الغضب لم تحمل هوية محددة، لكن هويتها الوحيدة كانت عراقية خالصة، وحملت شعار إصلاح النظام، وفي مضمون الشعار كانت تفتح عيون النظام على أخطائه، وتشعل شمعة في طريقه، ما يعني إنها كانت تحمي النظام، وتدافع بطريقة حقيقية عن العملية السياسية، وكل ذلك يتم عن طريق توفير حاجات الشعب الأساسية وليس الرفاهية، وهي مطالب توحي بالزهد في الحياة والصبر على تقلبات الزمن.. لقد حبست الحكومة الناس في أزقتها الضيقة لمنعها من المشاركة في التظاهرة، ونجحت الى حد كبير في تحجيمها..ومنعت وسائل الإعلام من تغطية جموع المتظاهرين وشعاراتهم، في محاولة للتعمية عن أوضاع الناس في العراق، لكنها فشلت الى حد كبير في ذلك..وسقط أكثر من عشرة شهداء أبرار، وأصيب العشرات برصاص الحكومة، ولوحق الصحفيون والإعلاميون وتم اعتقالهم وإهانتهم، وفشلت أيضاً في تدمير إرادتهم..وهنا من حقنا ان نسأل السيد النائب: هل كان على القيادة ان تتخذ إجراءات أكثر حيطة، وأشد احترازاً، مما قامت به لمنع الجماهير في بغداد من الوصول الى ساحة التحرير، أو في المحافظات العراقية؟ وهل كان ينبغي على الحكومة ان تبدي من القوة، او القسوة، أكثر مما أبدته يوم التظاهرات؟لعل النائب عزت الشاه بندر يجهل ان مصدر السلطات هو الشعب، وتحقيق رغباته هو الأساس الوحيد في شرعية أية حكومة أو مجلس نيابي، وأن نواب الشعب ما هم إلاّ قوة بموجب الدستور، يفوضهم الشعب، لمراقبة أداء الحكومة ومحاسبتها إذا ما انحرفت عن مهماتها الرئيسة في ضمان حريته والحفاظ على مصالحه، وذلك في ظني هو جوهر النظام الديمقراطي الذي يتبجح الجميع بشعارته، وتلوكه بين أسنانها كل النخب السياسية على مدى سبع سنوات طويلة.. وعليه ان يكون متيقناً، وان يكون مستوعباً لتجارب التأريخ، بأن لا خوف على أي نظام سياسي، في اي مكان من العالم، من خضوعه او خنوعه لمطالب شعبه العادلة، خصوصاً إذا كان يعترف بالفساد والتقصير، وبعدم توفيره الحد الادنى من متطلبات الحياة الإنسانية، وان الخوف الحقيقي على النظام ينبغي ان يكون متأتياً من عدم استجابة النظام لمطالب الناس، ومن استبداد النظام، والمحيطين به الذين لا ينظرون إلاّ إلى مواقع أقدامهم ويشجعونه على مقارعة الشعوب..لن تنزلق البلدان الى الهاوية حين ترضى الشعوب على حكوماتها..ولا تكون القيادات ضعيفة حين تستجيب لصرخات الفقراء والمظلومين، بل ان القيادات تكون قوية، وتستمد بقاءها من رفاهية شعوبها..
من يمثل الشعب.. لا يفهم الشعب!
نشر في: 9 مارس, 2011: 04:51 م