متابعة المدى
أقام بيت المدى في شارع المتنبي جلسة تتعلق بحقوق الملكية الفكرية حضرها عدد من المختصين، إضافة الى أصحاب دور النشر والكتبيين، قدم الجلسة الزميل رفعت عبد الرزاق الذي قال: ستكون هذه الجلسة مهمة وخطيرة وقد تحولت الى مشكلة في المشهد الثقافي العراقي، واعني بها قضية انتهاك الحقوق الفكرية من خلال سرقة وإنتحال المؤلفات والمطبوعات وتجاوزت هذه الظاهرة جميع حقوق المؤلفين وخاصة عندنا في العراق، مثل مؤلفات علي الوردي وحسن العلوي وغيرهم، حيث سرقت مؤلفاتهم وهم أحياء ..
وهناك الكثير من الكتب في شارع المتنبي مسروقة ومنتحلة، لكن القانون العراقي ما زال متأخرا عن ملاحقة هذه الظاهرة، ففي جلستنا هذه إستضفنا عدد من المعنيين، حيث سنستمع في البداية الى الأستاذ هادي عزيز علي الخبير القانون والقاضي الفاضل، وأحد المدافعين عن حقوق النشر، وقد بدأ القاضي هادي عزيز حديثه قائلاً: الملكية الفكرية متعددة الأنشطة والنوازع، فهي ترد على حق المخترع، وترد على العلامة التجارية وعلى الأسماء التجارية وأخيرا حق المؤلف، فالمؤلفون والكتاب يواجهون في الوقت الحاضر خطر سرقة مصنفاتهم ومؤلفاتهم وأحياناً تعريضها للتشوية، حيث إشتكى الكثير من المؤلفين العرب من إستفحال هذه الظاهرة المقلقة، وطالبوا بوضع حلول لها من خلال تطبيق ضوابط وتشريعات حقوق الملكية الفكرية التي وقعت عليها معظم الدول العربية، لذا وجدت الحاجة لإيجاد تشريعات وقوانين تضمن حماية الكتب والمصنفات الفكرية قانونياً من السرقة والتشويه، حيث تأسست العديد من المنظمات والهيئات للدفاع عن حقوق المؤلفين ومصنفاتهم الفكرية، ربما في مقدمتها منظمة (الويبو) أو المنظمة الدولية لحماية الملكية الفكرية التي تتخذ من جنيف مقراً لها، ومع أن الأهداف الأساسية لمثل هذه المنظمات تتركز أساساً على حماية العلامات التجارية وبراءات الاختراع، فإن جوانب مهمة كانت تعنى بوضع الضوابط والتشريعات الخاصة بحماية حقوق المؤلفين ومصنفاتهم الفكرية، كما بادرت الكثير من الدول العربية إلى الانضمام إلى منظمة الويبو العالمية هذه، وتأسيس منظمات وطنية خاصة لحماية حقوق المؤلف، منها مصر والعراق وسوريا ولبنان والسعودية والجزائر والمغرب والإمارات والسودان.
واضاف الأستاذ هادي: الحق الأدبي بالنسبة للمدرسة اللاتينية سابق للحق المالي، كونه من حقوق الشخصية "الحقوق" الطبيعية"، التي تمنح مع بدء الشخصية القانونية للفرد، وعليه فإن المصنَّف مشمول بالحماية القانونية، وبعبارة أخرى فالحق الأدبي يولد منذ اللحظة الأولى للابتكار، في حين تتراخى النصوص القانونية في شمول الحق المالي بها الى ما بعد النشر وقيام الناشر بإتاحته للجمهور.
مؤكداً ان القانون وضع ضوابط لحقوق المؤلف وفصل كيفية الحصول على هذا الحق، فهناك جانب مادي وجانب جزائي، وأشار الى أنه دخل يوما على مكتبة في شارع المتنبي وفوجئ بكتابه عن المواريث مطبوعا بمئات النسخ مع تغيير الغلاف، إذن كيف تقاضي مثل هذه الحالة؟ ففي الجانب المدني تقدم دعوى بناء على ما رأيت، وتتقدم بأمر ولائي بحجز النسخ وعدم التصرف بها، أما في الجانب الجزائي فترفع دعوى على المنتحل أو السارق وتعرضه للعقوبات.
المتحدث الثاني كان القانوني والشخصية الوطنية الدكتور علي الرفيعي الذي قال : تحافظ الملكية الفكرية على حقوق المفكرين والمبدعين، والتي تقوم أساسا على الابداع، فلولا الابداع لما تقدم الإنسان في الحياة، وهو موجود لديه من نشأته الأولى، وهو مرتبط في حياة الانسان على مر العصور.
مضيفاُ : إنتبه العالم المتحضّر الى هذه القضية من وقت مبكر، وكان يمنح الحق الكامل للناشر وليس للمبدع، وبعد مطالبات استمرت زمنا طويلا، أصبح المؤلف هو صاحب الحق في هذه الملكية، لذا كان من الضرورة بمكان إيجاد قوانين لتحميه، ففي الإطار الدولي، كان أول تشريع في القانون الدولي قد صدر في عام 1883 وهو حماية الملكية الصناعية في اتفاقية باريس، وبعد ثلاثة أعوام جاء قانون برنت، ومنذ ذلك الوقت بدأ الانسان يتجه الى التشريع على ضوء التطور الكبير الذي أصاب التجارة، وإمتد الموضوع الى جميع جوانب الابداع ومنها حقوق المؤلف.
الناقد علي الفواز تحدث عن هذا الأمر مبينا ما يحدث مع دور النشر في العراق قائلاً : هذه فرصة للحديث عن موضوع ما زال إشكاليا وقانونيا، وأنا أشكر أساتذتنا الذين سبقوني وتحدثوا بهذا الموضوع، من جانبي سأتحدث عن الموضوع عراقيا، فالبيئة العراقية بيئة رخوة، وعملية ضبط الحقوق والنشر، كانت ضعيفة الى حد ما، وحتى البيئة القانونية والتي نتكأ عليها ونلوذ بها للحماية، ما زالت تتعامل مع هذا الموضوع بنوع من التبسيط، وربما بنوع من التهميش، لعدم وجود قوانين حقيقية لمواجهة كل هذه الانتهاكات، فضلا عن أنه ما زال البعض ينظر الى قضية المنتج الثقافي، والقيمة الثقافية للكتاب بوصفه سلعة، مثل أية سلعة خاضعة للتبادل، وهناك أيضا العشوائية لدى المؤسسات المعنية بالنشر وصناعة الكتاب.
الباحث والكتبي حسين سعدون تحدث عن مبررات هذه الانتهاك وخصوصا في سوق المتنبي قائلاً : اتحدث عن هذا الموضوع بوصفي معنيا به من خلال مهنتي في بيع الكتاب، فقد أثيرت على مواقع التواصل الاجتماعي قضية غلاء الكتب، وأوجد ذلك مبررا لإستنساخ الكتاب أو إعادة طبعه، وهم بذلك بعيدين عن مجال الحقوق الفكرية، وأتحدث هنا عن شارع المتنبي، وفيه قلة من دور النشر تعد على أصابع اليد، ونحن نفرق بين دار تنتج الكتاب وأخرى تستورده، وهذا يحتاج الى تكلفة مضافة تخص النقل والشحن وما الى ذلك، لكن الكتاب الذي تنتجه دار النشر لا يشمله ذلك ومن هنا نتساءل عن سبب ارتفاع سعر الكتاب، وأعتقد ان القرصنة وسرقة الكتب عملية ممنهجة، لا يقوم بها فرد بل مجموعة أو مؤسسة، وربما الامر يتعلق ببعد دولي.
الباحث والكتبي زين النقشبندي قال: الكثير من القضايا، أود أن أطرحها .. لقد ذكر أحد الأساتذة أن هناك محاكم، لكني وفي حال مراجعة هذه المحاكم، أصطدم بطالبات رسوم ومبالغ عن الدعوى، وهذا ما يجعلني أحجم عن اللجوء للمحاكم.
وقدم النقشبندي عدد من الأمثلة على الإنتهاكات والقرصنة قائلا: أتذكر أني قرأت للسيوطي عندما سطا أحدهم على إحدى رسائله، وعندما ذهب به الى القاضي طالبه بالتنازل عن حقه لكي يفرج عن المنتحل، كذلك أتذكر أن الراحل د. عماد عبد السلام سرقت الكثير من نصوص كتبه.
الامين العام لاتحاد الادباء والكتاب في العراق وعضو جمعية الناشرين العراقيين الشاعر عمر السراي تحدث عن دور اتحاد الادباء للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة التي تؤثر على صناعة الكتاب ، وقال هناك في وزارة الثقافة قسم معني بحقوق الملكية الفكرية ، ولهذا اقترح التعاون مع هذا القسم في ايجاد حلول لهذا المشكلة ، مضيفاً:
تتطلب مسألة حقوق المؤلف ومعالجة إشكالاتها إنشاء مؤسسة خاصة لمتابعتها، ويجب أن تكون لهذه المؤسسة قدرة على التعامل مع هذه القضية، ففي الجانب الأدبي مثلا، تشكل لجنة خاصة من اتحاد الادباء، وفي الجانب الفني توجد لجنة من نقابة الفنانين وهكذا، ونتمنى ان يكون هناك جناحا قضائيا خاصا في تكوين هذه المؤسسة، لنتجنب الكثير من الجوانب في هذا الامر.










