TOP

جريدة المدى > سياسية > في قلب آب: "المدى" تحتفل بنفسها، وتكتب لحظة حب لا تنسى

في قلب آب: "المدى" تحتفل بنفسها، وتكتب لحظة حب لا تنسى

نشر في: 10 أغسطس, 2025: 01:08 ص

بغداد – المدى

نهارٌ ساخن من نهارات آب، نحن الآن في العام 2025 بغداد تشتعل شمساً، لكن داخل دار المدى ثمة شيء آخر: الضحكات، العيون المتألقة، الروح الأخوية. رائحة القهوة في الممر، لمعة الكاميرات، أصوات تتقاطع وتعلو ثم تخفت على وقع النكات وتبادل الذكريات.
إنها مناسبة ليست ككل المناسبات: اثنان وعشرون عاماً على تأسيس المدى، حيث ولدت الصحيفة من رحم حلمٍ كبير، وإرادة لا تقهر. اجتمع العاملون جميعاً، أسرة المدى بصحافييها، محرريها، فريق النشر والإدارة، محتفلين معاً على انطلاقة المشروع الذي تحول من فكرة إلى بيتٍ، ومن رغبة إلى مصير.
ارتدى الجميع أفضل ما لديهم، كما لو أنهم يتهيأون لعرسٍ عائلي. الصور المعلقة على الجدران تذكرهم بالبدايات، ببعض من رحلوا، وبكثير مما تبقى. على الطاولة الكبرى انتصبت كيكة ضخمة، مغطاة بالكريمة البيضاء، تتوسطها صورة عددٍ قديم من الصحيفة، بدا كأنه يبتسم لهم جميعاً.
الحفلة كانت عائلية الطابع، ودافئة الروح. لم يكن فيها خطاب رسمي طويل، بل لحظات نابضة بالمحبة والتقدير. استقبل العاملون بكارتٍ موقع بخط اليد من رئيس المؤسسة الأستاذ فخري كريم، حمل كلمات مؤثرة، كأنها رسالة اعتراف وامتنان:
«لولا أنتم، ولولا من رافقنا منذ البدايات وافترق عنا عزيزاً، لبقيت «المدى» مجرد فكرةٍ حاملةٍ لوعدٍ مؤجَل بعراقٍ ديمقراطيٍ معافى، يسوده العدل، وتزدهر فيه القيم الإنسانية، ويصبح فيه المواطن سيد نفسه في وطنٍ حرٍ سعيد.
لكن بكم أنتم وحدكم، تحولت تلك الفكرة إلى بيتٍ مفتوحٍ لكل عراقي يبحث عن ذاته المستلبة، ويتوق إلى مستقبلٍ خالٍ من الرثاثة والتعسف. وكما كانت «المدى» منذ نشأتها بيتي المتوهج، كنتم أنتم شعلتها التي لا تنطفئ، أنتم أسرتي الأثيرة... وجائزتي الأجمل.»
بهذه الكلمات، شعر الجميع أن ما أنجزوه ليس مجرد مهنة، بل سيرة حياة. أصغى الحضور بصمت وتأثر. كثيرون شعروا أن هذه الكلمات ليست مجرد رسالة تهنئة، بل تعبير عن علاقة استثنائية بين مؤسسٍ ومؤسسةٍ، بين إنسانٍ جعل من الكلمة موقفاً، ومن الثقافة خلاصاً، وبين فريقٍ آمن أن الصحافة التزام لا وظيفة.
الكلمات لم تكن كثيرة، لكنها كانت من القلب. غادة العاملي المدير العام تحدثت بحرارة، بكلمات ناعمة ووجه مضيء، عن السنوات التي رافقت فيها المدى، عن اللحظات التي لا ترى خلف كواليس التحرير والطباعة والإدارة، عن الصبر حين كان الصبر رفاهية، وعن ضحكات مباغتة كانت تنقذ أياماً مرهقة.
عبارة قصيرة، لكنها كانت كفيلة بأن تشعل القاعة فرحاً، وقلوباً امتلأت بالاعتراف. فكل من في القاعة يعرف: هذه المؤسسة كتبت بأيديهم، بكلماتهم، بتعبهم اليومي.
توالى الزملاء على الكلام. حسام الصفار من الرعيل الأول فتح خزائن ذاكرته، وتحدث عن الليالي الأولى للجريدة، عن المخاوف عن بدايات «المدى»، عن صدورها في ظروف شديدة القسوة، وعن أحلام الكلمة التي كانت تكتب من مداد القلب. ثم تحدث الزميل علي حسين رئيس التحرير التنفيذي للصحيفة بنبرة عميقة وهادئة عن قيم الصحافة الوطنية، وعن تفرد المدى بأسلوبها المتأني، الرافض للعنف والانفعال، وعن شرف المهنة الذي تمسك به كتابها على مدى عقدين.
ثم تكلم السيد ياسر السالم مدير تحرير الصحيفة فتناول طبيعة العلاقة الإنسانية داخل المؤسسة، وأجواء الدعم المتبادل، والاستقرار النفسي الذي نادرا ما تجده في مؤسسات صحفية أخرى، وتكلم بروح غامرة عن المدى وعن لحظات إشراقتها وايام عملها وتاريخها.
تلى ذلك استذكارٌ مؤثر لأسماء الزملاء القدامى ممن تقاعدوا أو رحلوا عن الدنيا، ذكروا واحداً واحداً، وتحدث الزملاء عن إنجازاتهم، عن نبلهم، وعن فراغهم الذي لا يملأ. كل اسم كان قصة، وكل قصة كانت درساً في الشجاعة أو التفاني.
وفي النهاية، قدم علي بدر مدير النشر في دار المدى كلمة أخيرة قال فيها:
«إن المدى هي استمرار حي للصحافة اليسارية في العراق، تلك التي لم تخن ضميرها، ولم تساوم على مبادئها، بل سعت لأن تكون صوتاً للتنوير والعدالة والمعرفة، وواجهت الأحداث الكبرى برؤيةٍ أخلاقية، وسعت لأن تحفظ للثقافة مقامها فالمدى ليست مجرد جريدة... إنها طريقة حياة.»
خصصت لحظة مؤثرة لاستذكار من غابوا. ذكرت الأسماء، وتبع كل اسم ابتسامة، أو دمعة، أو حكاية مضحكة من الزمن الصعب. بعضهم كان حاضراً في صورٍ قديمة، وبعضهم في كلمات لم تنس.
ثم بدأت اللحظة الأجمل: الصور الجماعية. توزع الحضور قرب الجدران المزينة، والتقطوا صوراً بالهاتف وبالكاميرا. المدى كانت تبتسم في الخلفية. ليس بوصفها صحيفة، بل كأم تراقب أبناءها وهم يضحكون، يكبرون، ويتذكرون.
السيدة غادة العاملي، المدير العام طلبات بصورة أنيقة تقطيع الكيكة الضخمة المغطاة بالكريمة البيضاء، تتوسطها صورة الصحيفة. لحظة تقطيع الكيكة كانت لحظة رمزية، جمعت كل الأيدي حول تاريخ مشترك، وذاكرة تصان.
يومٌ واحد في آب، لكنه حمل معه إثنين وعشرين عاماً من الإصرار والفرح والإيمان، وجعل الجميع يتذكر أن المدى ليست ما نكتبه فقط، بل ما نعيشه معاً. انتهت الكلمات، لكن لم تنتهِ الذكريات. تبادل العاملون الضحكات، وتشاركوا صوراً من أيامٍ مضت: في الحرب، في الحصار، في التحرير، في عتمة الليل عندما كانت المطبعة تعمل ، وفي صباحاتٍ مشرقة وهم يرون الجريدة تصدر بسلام.
قال أحدهم: «في المدى لم نتعلم فقط كيف نكتب، لكن الأهم أننا تعلمنا كيف نعيش.»
هكذا كانت الحفلة، لا احتفالاً شكلياً، بل لحظة امتنان ووفاء، لحظة تجديد عهد: أن تظل المدى مدرسةً للصحافة، للحياة، وللأمل في وطنٍ يستحق أن يكتب عنه... ويكتب له.
ثم أطفئت شمعة الكيكة، لكن بقيت شعلة المدى مضاءة في القلوب، كأنما كل عامٍ منها هو عامٌ يضاف إلى عمر العراق، وعمر الصحافة، وعمر الكرامة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

رئيس الوزراء المقبل مُلزَم بأخذ رأي
سياسية

رئيس الوزراء المقبل مُلزَم بأخذ رأي " الإطار " بكل صغيرة وكبيرة ولا يشارك بالانتخابات

بغداد/ تميم الحسن تعمّقت الخلافات داخل "الإطار التنسيقي" إلى حدّ دفع بسقف التوقعات حول حسم اسم رئيس الوزراء المقبل إلى صيف 2026. وفي ظل هذا التأخير، يواصل التحالف الشيعي البحث عن شخصية يمكن "ضبط...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram