ميسان / مهدي الساعدي
يواجه ابناء محافظة ميسان خصوصا اصحاب الدخل المحدود وموظفي القطاع الحكومي، اصحاب المرتبات الضعيفة مشكلة ازمة السكن، التي جعلتهم بمواجهة مباشرة امام خياري الايجار او التوجه نحو السكن العشوائي، دون ايجاد حلول واقعية من قبل الجهات ذات العلاقة في الحكومة او الدوائر المختصة.
وتعددت الاسباب التي تقف خلف تلك الازمة يأتي في مقدمتها احجام دوائر البلدية من توزيع قطع اراضي سكنية على الموظفين، الذين يمثلون النسبة الاكبر من ابناء المدينة، وارتفاع اسعار بيع العقارات بشكل غير معقول ووجود تفاوت طبقي بين ابناء المحافظة، اضافة الى ذلك غياب المشاريع الحقيقية للتغلب على تلك المشكلة، والفقر الذي جعل ميسان واحدة من افقر المحافظات العراقية.
الموظف ضحية السكن الاولى
جعلت اعباء الحياة العصرية والتطور السريع والمتطلبات القهرية الاخرى، العاملين في القطاع الحكومي (الموظفين) خصوصا في الوزارات التي لا زالت مرتباتها ضعيفة جدا، ضحية السكن الاولى لأسباب عديدة، اوضحها اجمالا الموظف الحكومي حسين عبد علي خلال حديثه لـ(المدى): "امضيت اكثر من خمس وعشرين عاما في وظيفتي ولغاية اللحظة اسكن في دار صغير مؤجر، لأنني لا استطيع شراء منزل ولم تخصص مديرية بلدية العمارة اي قطعة ارض للموظفين، وتكتفي بالتوزيع لشرائح اخرى او لأقضية ونواحي المحافظة تاركة موظفي المركز تتقاذفهم ازمة السكن، دون ايجاد حلول حقيقية في خضم ارتفاع خيالي في اسعار بيع العقارات، المصحوب بقلة المرتبات الحكومية". واضاف "هناك من احيل على التقاعد ولم تخصص له قطعة ارض سكنية، وحتى اذا خصصت له لا يستطيع بنائها وهو براتب التقاعد".
الى ذلك، أكد المراقب المحلي سجاد حسن لـ(المدى) "ارتفاع اسعار العقارات في مدينة العمارة بشكل جنوني، ليتجاوز في بعض احياءها اـ500 مليون دينارا، جعل الموظف صاحب المرتب الضعيف يقف مذهولا وعاجزا بشكل كلي عن ايجاد منفذ من هذه المشكلة، خصوصا موظفي وزارات الصناعة والبلديات والموارد المائية الذين لا يزالون يتقاضون مرتبات دون الـ500 الف دينارا، هذا غير الكسبة ومحدودي الدخل، مما جعلها مشكلة حقيقية تواجه ابناء المحافظة".
وأضاف، أن "هذا ما يفسر انتشار الاحياء السكنية المشيدة على الاراضي الزراعية او البساتين المجرفة، وكذلك العشوائيات التي يطلق عليها ابناء المحافظة (الحواسم)".
عجز حكومي
وفي خضم ذلك كله تقف الدوائر المعنية عاجزة عن ايجاد حلول لتلك المشكلة، سواء عن طريق توزيع قطع اراضي بواسطة مسح واستحداث مقاطعات جديدة، تاركة بوصلة الحلول تتجه نحو الحلول البديلة ما يسبب فوضى سكنية.
وعن اسباب ذلك بين موظف في مديرية بلدية العمارة رفض الكشف عن اسمه لأسباب وظيفية خلال حديثه لـ(المدى) "المشكلة الحقيقية التي تقف حائلا دون توزيع قطع اراض جديدة، هو كثرة غير المستفيدين من الموظفين والشرائح المجتمعية الاخرى مقابل قلة المقاطعات الجاهزة للتوزيع، مما يعرض الحكومة المحلية الى موقف محرج لذلك تريثت بالتوزيع لحيث تجهيز اراضي اخرى كافية، لعدد الموظفين المستحقين للاستلام".
وأضاف، أن "سبب تراكم تلك الاعداد من الموظفين دون توزيع قطع أراضي، يعود الى تلكؤ الحكومات المحلية السابقة في هذا المجال، على الرغم من اجراء تغييرات ادارية مستمرة على مديرية البلدية، ولكن دون جدوى".
من جانبه اوضح المراقب المحلي سجاد حسن، أن "الحكومات المحلية السابقة اكتفت بتوزيع قطع الاراضي على فئات محددة فقط، وانفتحت بالتوزيع على اقضية ونواحي المحافظة تاركة المركز دون حلول مما فتح باب الانتقاد واسعا ضدها، وفتح بابا كبيرا للفساد عن طريق المتاجرة وبيع قطع الاراضي غير المخصصة والمسماة (رقم)".
شهادات مختصين
ويرى خبراء ميسانيون ممن لهم دور كبيرا وفاعلا في صناعة القرار الاداري في المحافظة، وجود عدة اسباب تقف خلف ذلك الملف الحساس، منها عدم اعتماد منهج صحيح والفساد الإداري.
ويقول غازي ثجيل عضو الحكومة المحلية السابق، في حديث لـ(المدى) إن "ازمة السكن في البلد عامة وفي ميسان تحديدا تأتي كنتيجة طبيعية، لعدم اعتمادنا المنهج العلمي في رصد ومواجهة و تحليل ودراسة وتقييم المشاكل والتحديات والازمات، التي تواجه المجتمع والدولة ويفاقم هذه الأزمة الضعف والفساد الإداري من حيث عمليات الإدارة في (التخطيط والتنظيم والتنفيذ والتوجيه والتقييم)، ويُضاف لها عدم اخذنا بمراكز البحوث والدراسات والمؤسسات المختصة كخيار للدراسة والتقييم والمعالجة، وعدم الاستفادة من تجارب الآخرين لمعالجة مثل هذه الأزمة".
ويضيف ثجيل: "كما أن الزيادة في اعداد المواليد وتضخم عديد العائلة العراقية، وارتفاع نسبة الخصوبة لسكانها (رجالاً ونساءّ) لأسباب بيولوحية ونفسية، فضلاً على التحسن النسبي لمدخلات وموارد العائلة، وارتفاع مستواها المعيشي والصحي والبيئي وغيرها من الاسباب والعوامل التي تكمن خلف زيادة عديد السكان وتعاظم اعداد نفوسهم، ويقابل ذلك النمو وتنامي معدلات التنمية في عديد السكان و تلكُؤ الحكومات الاتحادية والمحلية في الارتقاء لتشخيص وتحليل ودراسة أزمة السكن والبطئ بوضع الحلول والمعالجات الناجعة لها، وهذا الخلل البنيوي الذي تعاني منه الحكومات المتعاقبة نتيجة الفشل والفساد والتنازع".
تظاهرات وتشخيص
شهدت مدينة العمارة في الايام الاخيرة تظاهر العشرات من ابنائها امام ابواب دائرة صندوق الاسكان، مطالبين احتساب معاملاتهم اسوة ببقية المحافظات من اجل حصولهم على قروض حكومية تمكنهم من بناء مساكنهم، واصفين حالهم بأنهم ظلموا هذا العام قياسا بالمحافظات الاخرى.
فيما وصفت مواقع اعلامية محلية ان ازمة السكن تتجذر يوما بعد آخر ولا زالت الحلول تنتظر التخطيط؛ وبينت احدى تلك المواقع خلال تقرير اعلامي اطلعت عليه (المدى) جاء فيه "بين غلاء اسعار البيوت وانعدام توزيع الأراضي في المدينة، يعيش المواطن الميساني خصوصًا الموظف من ذوي الدخل المحدود في ضيق متصاعد، وسط غياب خطط إسكانية حقيقية تعتمد على تخطيط علمي وتنظيم إداري مدروس ومع غياب التقييم الواقعي لمشاريع الإسكان المنفذة، تبقى أزمة السكن في ميسان عنوانًا دائمًا للشكوى، دون بوادر انفراج في الأفق".










