TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > في الذكرى الثمانين لأول كارثة نووية

في الذكرى الثمانين لأول كارثة نووية

نشر في: 11 أغسطس, 2025: 12:02 ص

د.كاظم المقدادي

شهدت الحرب العالمية الثانية عام 1941 هجوماً مباغتاً شنته البحرية اليابانية على الأسطول الأمريكي القابع في ميناء بيرل هاربر بجزر هاواي في المحيط الهادي والمصانع والمدارس والجامعات والمستشفيات والمتاجر والمزارع والشوارع، فسببت أبشع مجازر الأبادة الجماعية، وبيئية وإجتماعية، ولم تكن الولايات المتحدة طرفاً رسمياً في الحرب.على أثرها دخلت الحرب في اليوم التالي. وإنتقاماً من واقعة هاربر، إقترفت إدارة الرئيس ترومان أفضع جريمة حرب دولية، بقصفها مدينة هيروشيما بأول قنبلة ذرية يوم 6 اَب ومدينة ناغازاكي بثاني قنبلة ذرية التي لم يشهد لها التأريخ المعاصر مثيلآ، حيث دمرتا المدينتين عن بكرة أبيهما، وحولتهما الى أكوام من اللهب والرماد، وأهلكتا أكثر من 220 ألف يابانياً، منهم 144 ألف في هيروشيما و 82 ألف في ناغازاكي، معظمهم من المدنيين، وشكل المصابون بأضرار الإنفجارات ثلاثة أضعاف عدد القتلى، ومات منهم فيما بعد نحو 30‌%، متأثرين بالجروح والحروق والتسمم الإشعاعي،والإصابة،لاحقاً، بالأمراض السرطانية، خاصة سرطان الدم والأورام الخبيثة، وعاش المجتمع الياباني أفضع كارثة صحية ونفسية يوم 9 اَب 1945، في وقت كان الجيش الياباني على وشك الإستسلام، وساعتها كانت مئات الآلاف من السكان متواجدين في البيوت والمؤسسات.
رغم مرور ثمانون عاماً، لم تنس الذاكرة الحية تلك الفضاعات، ولذا يستذكرها أنصار السلام وأعداء الحروب، مع الشعب الياباني، في كل عام، اَملين ان لا تتكرر أبداً. وفي نفس الوقت يجددون موقفهم المناوئ لصقور الحرب ولصناع أسلحتها الفتاكة ولتجارها،الذين يواصلون إنتاج وتطوير المزيد من الأسلحة النووية، ونشرها، بدلآ من القضاء على ترسانتها، غير مبالين بتهديدها لمصير البشرية، في ظل مواصلة تصاعد التوتر الدولي الراهن، وتهديد العالم بخطر نشوب حرب عالمية ثالثة، وإحتمال ان تستخدم خلالها الأسلحة النووية الحديثة، متجاهلين "معاهدة عدم إنتشار الأسلحة النووية"(NPT)، التي أقرتها حكومات العالم في عام 1986، والتي تهدف إلى تحقيق نزع السلاح النووي، ومنع انتشار الأسلحة النووية، وتعزيز الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية. ولم يوقعوا على "معاهدة حظر الأسلحة النووية"، التي تبنتها الأمم المتحدة في تموز 2017 ودخلت حيز التنفيذ في كانون الثاني 2021.
يؤكد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) أنه خلافاً لنصوص المعاهدات الدولية النافذة، تواصل الدول النووية عملياً تحديث ترسانتها، بدلآ من نزعها، رغم الرغبة المعلنة للمجتمع الدولي في نزع هذا السلاح. وأشار في بيان له إلى ارتفاع عدد الرؤوس النووية وبطء وتيرة نزعها. وقال الباحث في المعهد شانون كايل إنه "رغم التصريحات الدولية المتكررة بشأن أولوية نزع السلاح النووي، فإن برامج التحديث الجارية في الدول التي تمتلك أسلحة نووية تدفع إلى الاعتقاد بأن أيا منها لن يتخلى عن ترسانته النووية في المستقبل القريب".
وقال المعهد في 15/6/2025، وفي تقريره السنوي حول ترسانات العالم، إن جميع الدول التسع المسلحة نوويا تقوم بتحديث وتطوير الأسلحة الموجودة، وإضافة أسلحة جديدة. وإن تفكيك الرؤوس النووية التي أحيلت إلى التقاعد من قبل الولايات المتحدة وروسيا منذ نهاية الحرب الباردة، أدى إلى انخفاض كبير، لكن هذا التأثير يتباطأ الآن، بينما يتسارع نشر أسلحة نووية جديدة.وأكد أن الدولتين تمتلكان حوالي 90 بالمئة من جميع الأسلحة النووية، وكلتيهما تنفذان برامج تحديث واسعة النطاق، يمكن أن تزيد من حجم وتنوع ترساناتهما النووية في المستقبل.
ووفقاً لـ(سبري) تمتلك الدول التسع – الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة والصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل، حالياً، مخزونا إجماليا يبلغ 12 ألفا و 241 رأسا نووياً، بينما كانت في عام 2024 تبلغ 12 ألفا و 405 رأساً نووياً، ومن إجمالي المخزون العالمي هذا ثمة حوالي 9,585 رأسًا نووياً في المخزونات العسكرية للاستخدام المُحتمل. ويُقدّر أن 3,904 من هذه الرؤوس الحربية نُشرت مع الصواريخ والطائرات - بزيادة 60 رأسًا عن كانون الثاني 2023 -والباقي في مخازن مركزية. وقد وُضع حوالي 2,100 رأساً نووياً من الرؤوس الحربية المنشورة، في حالة تأهب تشغيلي قصوى على الصواريخ الباليستية. وكانت الغالبية العظمى لهذه الرؤوس الحربية مملوكة لروسيا وأمريكا.
ويبلغ إجمالي الرؤوس الحربية الجاهزة للإنطلاق 3912 رأساً نووياً، منها: 1770 للولايات المتحدة و 1718 لروسيا و 280 لفرنسا و 120 للمملكة المتحدة و 24 للصين.
من هنا جاء تنبيه المجلة العلمية المعروفة Nature، في17/7/2025: " لا تغرنّك ادعاءات ابتعاد الحرب النووية! ". ونشرت الشكل التالي الذي يوضح الوضع الراهن للأسلحة النووية في العالم:
وعلق الخبير الفيزيائي دانيال هولتز، أحد استشاريي "ساعة القيامة" Doomsday Clock؛ الفيصل الرمزي لمدى قرب البشرية من الفناء، والتي تقف الآن عند 89 ثانية قبل منتصف الليل، لتكون أقرب من أي وقت مضى، في الإشارة إلى نقطة اللاعودة بالنسبة لجنسنا البشري، يقول: "الرسالة التي نسمعها دائمًا هي أن صفحة الخطر النووي قد انطوت، وأنه خطر قديم يعود إلى الحرب الباردة، لكن عندما تتحدث مع الخبراء تصلك رسالة مغايرة تمامًا - الخطر النووي في الواقع مرتفع للغاية، وآخذ في الصعود".وأوضح بإن الردع النووي لم يعد مباراة بين طرفين فحسب. وثمة عوامل خطر أخرى؛ فالمعلومات الخاطئة والمضللة يمكن أن تؤثر على القادة والمصوتين في الدول المالكة للأسلحة النووية، والذكاء الاصطناعي يضفي حالة من عدم اليقين على اتخاذ القرار العسكري. والنتيجة عصر نووي خطر جديد.
حيال هذا أعلن دان سميث، مدير سيبري: "بينما يستمر انخفاض إجمالي الرؤوس الحربية النووية عالميًا مع التفكيك التدريجي لأسلحة حقبة الحرب الباردة، نشهد للأسف زيادة سنوية في عدد الرؤوس الحربية النووية العاملة". وأضاف: "يبدو أن هذا الاتجاه سيستمر، وربما يتسارع في السنوات القادمة، وهو أمر مثير للقلق البالغ".
وأشار (سيبري) في تقريره السنوي الأخير الى ان العديد من اتفاقيات نزع الأسلحة والحد منها عانت بشكل كبير مؤخرا. ففي 2019، انسحبت الولايات المتحدة خلال فترة الرئاسة الأولى لدونالد ترامب من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى وبعد عام انسحبت من معاهدة السماوات المفتوحة الخاصة بتسيير رحلات مراقبة غير مسلحة دولية. ثم أعلنت روسيا انسحابها من السماوات المفتوحة. وفي عام 2022، وبعد حربها ضد أوكرانيا، انسحبت روسيا من معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، وعلقت معاهدة رئيسية لنزع السلاح النووي مع الولايات المتحدة، هي معاهدة "نيو ستارت".
وفي ظل واشنطن وموسكو، تنشأ قوى نووية رائدة ثالثة، هي في خضم تحديث وتوسيع شامل لبرنامج أسلحتها النووية، وهي الصين، التي يقدر(سيبري) أن مخزونها يبلغ نحو 600 رأساً حربياً نووياً وهو أكثر مما تمتلكه فرنسا وبريطانيا معا. وتنمو الترسانة النووية الصينية على نحو أسرع من أي دولة أخرى، منذ عام 2023.
وبسبب إستمرار التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، خاصة بشأن الأسلحة النووية وإنتشارها، لا يقتصر انتشار السلاح النووي على الدول المالكة له، وإنما هناك 5 دول أوروبية، وهي بلجيكا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وتركيا، لا تملك برنامجا نووياً، لكنها تنشر أسلحة نووية أمريكية على أراضيها في إطار اتفاقية "الناتو".وهناك 23 دولة أخرى موافقة على نشر الأسلحة النووية الأمريكية على أراضيها "كوسيلة لتعزيز أمنها القومي"، مثل ألبانيا وأستراليا وبلغاريا وكندا وكرواتيا والتشيك والدانمارك واليونان والمجر واليابان وإسبانيا وكوريا الجنوبية.وهناك فئة ثالثة من الدول التي تمتلك مفاعلات نووية للأغراض السلمية، لكنها يمكن تطويرها لتصبح قنابل ذرية فتاكة- بحسبBulletin of the Atomic Scientists.
وكشفت تقارير صحفية قبل إسبوعين أن الولايات المتحدة أعادت نشر أسلحة نووية في الأراضي البريطانية لأول مرة منذ عام 2008، في خطوة وصفها خبراء بأنها تأتي ضمن تعديل في استراتيجية حلف (الناتو) النووية في أوروبا، عقب الحرب في أوكرانيا.ورفضت وزارتا الدفاع الأميركية والبريطانية التعليق على الخبر، التزاما بسياساتهما التي تمنع الإفصاح عن مواقع الأسلحة النووية..
ولعلكم شاهدتم أو قرأتم قبل 4 أيام تصاعد حدة التوتر بشكل خطير بعد تصريحات نارية متبادلة بين نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف والرئيس الأميركي ترامب، والتي بلغت ذروتها بإعلان ترامب نشر غواصتين نوويتين بالقرب من روسيا، وهو قرار مستهتر، ويعيد إلى الأذهان أجواء أزمة كوبا النووية في الستينات.
هؤلاء القادة وأمثالهم كثيرون يعلمون جيداً إذا نشبت حرب نووية لن يخرج منها منتصر، وإنما ستُهدد البشرية بالفناء، مواصلين تهديداتهم المتهورة، المتجاهلة للمخاطر المحدقة، وإنفاق المزيد من المليارات على سباق التسلح، وتعزيز وتحديث ترسانتهم النووية، بالضد من إرادة شعوب العالم وطموحها المشروع بسلام مستدام وعالم خال من الأسلحة النووية..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram