بغداد/ تميم الحسن
قررت الحكومة معاقبة والتحقيق مع 18 مسؤولًا رفيعًا ومنتسبًا في الحشد الشعبي، إضافة إلى رئيس دائرة حكومية، على خلفية "اشتباك السيدية" في بغداد الذي وقع قبل أسبوعين.
واتهمت بغداد، بشكل رسمي ولأول مرة، الحشد الشعبي بالوقوف وراء الحادث، مُحملة "كتائب حزب الله" – أحد أكبر الفصائل المسلحة – المسؤولية المباشرة.
وأظهر بيان للحكومة حول نتائج التحقيق في أحداث اقتحام مديرية الزراعة في السيدية، جنوب بغداد، وجود "خلل في السيطرة" داخل الحشد الشعبي، وارتباط "ألوية في الحشد" بجهات سياسية.
وقال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إن بلاده لن تتهاون في حصر السلاح بيد الدولة وفرض سلطة القانون ومكافحة الفساد.
ونقل بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء عن السوداني قوله بالتزامن مع كشف التحقيقات بحادث السيدية: "عمليات حصر السلاح بيد الدولة وفرض سلطة القانون لا تعني استهداف أي جهة أو فرد".
وبحسب مسؤول سابق في الحشد الشعبي، فقد حصل السوداني على "تفويض" من "الإطار التنسيقي" لحصر السلاح.
خلل في القيادة والسيطرة
بدوره، أعلن صباح النعمان، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، نتائج التحقيق في "حادثة الاعتداء على دائرة زراعة الكرخ، وما أسفر عنها من ضحايا أبرياء نتيجة وجود قوة مسلحة خلافًا للقانون في دائرة حكومية مدنية".
وقال النعمان في بيان صحفي مفصل: "العناصر المسلحة التي ارتكبت هذا الخرق تتبع تشكيل كتائب حزب الله، وهم منسوبون إلى اللواءين 45 و46 في الحشد الشعبي، وقد تحركوا دون أوامر أو موافقات، خلافًا للسياقات العسكرية المتبعة، واستخدموا السلاح ضد منتسبي الأجهزة الأمنية، ما تسبب بسقوط شهداء وجرحى، أحدهم مدني".
وخلص التحقيق إلى أن المدير المُقال – الذي تم اعتقاله بعد ساعات من الحادث – لدائرة زراعة الكرخ، المدعو (إياد كاظم علي)، متورط في هذه الأحداث.
وفي استنتاج لافت، قال الناطق باسم القوات المسلحة إن "هناك خللًا في ملف القيادة والسيطرة داخل الحشد الشعبي، ووجود تشكيلات لا تتقيد بالضوابط والحركات العسكرية".
وصادق القائد العام للقوات المسلحة على توصيات اللجنة التحقيقية، التي تضمنت "إعفاء آمري اللواءين 45 و46 في الحشد الشعبي من مناصبهم"، و"تشكيل مجلس تحقيقي بحق قائد عمليات الجزيرة في الحشد الشعبي – التي تقع ضمنها مسؤولية اللواءين ومقرها جرف الصخر جنوب بغداد – لتقصيره في مهام القيادة والسيطرة".
كما قررت الحكومة "إحالة جميع المتورطين في الحادث إلى القضاء".
وكانت الحكومة قد أعلنت، في وقت سابق، اعتقال 14 متهمًا على خلفية الحادث، فيما قالت "كتائب حزب الله" إن المعتقلين "موظفون في دائرة الزراعة".
وأكدت "حزب الله" العراقي، في بيان عقب ظهور نتائج التحقيقات، أنها "قدمت أكثر من أربعة آلاف شهيد وجريح في الحرب ضد داعش".
واعتبرت، في بيان منفصل، أن "الولايات المتحدة وأتباعها سعوا على مدى سنوات لتشويه تاريخ هذا الفصيل، غير أن المؤلم هو ما يأتي من ذوي القربى".
وشنت "كتائب حزب الله"، الأسبوع الماضي، هجومًا على رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وعلى شخصية شيعية لم تسمّها صراحة ووصفتها بـ"الخائنة"، على خلفية "اشتباكات السيدية".
وجاءت هذه التطورات وسط جدل سياسي حول "حل الحشد" أو "دمجه" بالمؤسسات الرسمية، ورفض واشنطن تمرير "قانون الحشد" المعروض أمام البرلمان.
ضوء أخضر
وبحسب حسن فدعم، النائب والمسؤول السابق في الحشد، فإن "السوداني حصل على ضوء أخضر من كل قوى الإطار التنسيقي لحصر السلاح بيد الدولة".
ووصف فدعم، في حديث لـ(المدى)، نتائج التحقيق بأنها "دقيقة ووصفت الحادث كما جرى"، مشيرًا إلى أن النتائج "أعطت رسالة بأن القائد العام مسيطر على كل القطعات العسكرية وسيمضي في تطبيق توصيات اللجنة".
واعتبر النائب السابق قرار السوداني وإجراءات القوات الأمنية في "حادث السيدية" قرارًا "حازمًا"، لافتًا إلى أن "تجاوزات سابقة كانت تحدث في مؤسسات رسمية ويتم السكوت عنها".
وكانت "كتائب حزب الله" قد نفت، في وقت سابق، مسؤوليتها عن الحادث، مشيرة إلى أن من تسبب بسقوط الضحايا هو "ضابط منفعل" أطلق النار داخل البناية.
تحقيقات وخلافات
من جهته، اعتبر إحسان الشمري، الأكاديمي والباحث، نتائج التحقيق والتوصيات "صحيحة"، مستبعدًا أن يدفع هذا الإجراء الحكومة إلى كشف باقي التحقيقات في حوادث سابقة، ومنها ما جرى في "تظاهرات تشرين" قبل ست سنوات.
وقال الشمري لـ(المدى) إن التوصيات بإحالة المسؤولين في الحشد الشعبي إلى التحقيق وإقالة آخرين هي "إجراء عسكري صحيح بسبب تجاوز السياقات العسكرية".
ورأى الشمري، وهو رئيس مركز التفكير السياسي، أن تشخيص وجود خلل داخل الحشد الشعبي "يحدث لأول مرة، وهذا أمر جيد"، مشيرًا إلى أن ما طُرح في التحقيقات "خطوة أكثر جرأة، لكنها قد لا تصل إلى مستوى كشف بقية نتائج التحقيق في كثير من الملفات مثل ما جرى في تظاهرات تشرين 2019 التي اتهمت بها بعض الجماعات، وأدت إلى سقوط 600 شاب بدم بارد وباغتيالات ميدانية".
وأوضح الشمري أن ظهور النتائج في هذا التوقيت قد يُفهم، بحسب بعض الجهات، على أنه "نتيجة الخلاف السياسي العميق بين السوداني والكتائب، خصوصًا أن الكتائب طالبت بفرض حجر سياسي على قرارات السوداني، وفق بيان سابق للفصيل المسلح".
مرحلة مختلفة
من جانب آخر، لا يتصور الشمري أن نتائج التحقيقات الأخيرة قد تكون مقدمة لتغييرات جذرية في الحشد الشعبي، خصوصًا أن هذا الموضوع يرتبط بالإرادة السياسية للإطار التنسيقي، والسوداني لا يزال حتى الآن ضمن التحالف الشيعي.
لكن الشمري يعتقد، بالمقابل، أن التطورات الأخيرة "قد تكون مشجعة بشكل كبير على ضبط أكبر داخل هيئة الحشد الشعبي في الفترة القادمة، وقد تدفع الهيئة لاتخاذ إجراءات أكثر حدة تجاه بعض الفصائل التي تتحرك بمعزل عن القائد العام للقوات المسلحة".
وتابع: "التغييرات داخل الحشد ترتبط بالقانون، وهو قانون مختلف عليه، لذلك فإن التغييرات التي نتحدث عنها ترتبط بإعادة الهيكلة، وهذه لم يُتفق عليها بعد. كما أن الفصائل لم تعلن موافقتها على نزع السلاح وتفكيك منظومة السيطرة ودمجها بهيئة الحشد الشعبي، ما يتطلب مزيدًا من الوقت والإدارة السياسية".
وأضاف الشمري أن "فك الارتباط بين الحشد الشعبي وجهاته السياسية غير متوفر حاليًا، خاصة مع اقتراب الانتخابات، حيث يعوّل البعض على ثقله وسلاحه".
وختم قائلًا: "بكل الأحوال، نحن أمام مرحلة مختلفة في طبيعة العلاقة بين الفصائل ورئيس الحكومة، وبين الفصائل والهيئة، ومرحلة تحول داخل الإطار التنسيقي".










