TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مرسي والاستعانة بالعسكر

مرسي والاستعانة بالعسكر

نشر في: 12 ديسمبر, 2012: 08:00 م

برغم ما كان متداولاً على السطح، من ابتعاد المؤسسة العسكرية في مصر عن مركز صنع القرار، وترك الأمور بيد الرئيس الإخواني محمد مرسي، القادم إلى موقعه من خارج صفوف العسكر، فإن الدور المناط اليوم بالمؤسسة، في حفظ الأمن والنظام، يؤشر إلى دورها المركزي في الحياة السياسية في مصر، كما يؤشر إلى إمكانية عودتها إلى الواجهة، إن استمرت الفوضى الناجمة عن تخبط مؤسسة الرئاسة، المرتهنة قراراتها لمصلحة تنظيم الإخوان المسلمين، وبما يعود بالبلاد إلى المربع الأول، الذي غادرته بعد إطاحة نظام مبارك.
إرهاصات العودة تتمثل في الدعوة الموجهة من وزير الدفاع، لرئيس الجمهورية وقيادات المعارضة، للاجتماع دون جدول أعمال سياسي، وكأن الأمر دعوة اجتماعية، تتجاهل الانقسام السياسي العميق في البلاد، أو إشارة للجميع تبين استعدادها للتدخل حماية لأمن المواطنين وأرزاقهم، خصوصاً وأن التظاهرات المليونية المؤيدة، لمرسي والمعارضة لدستوره ولإعلانه الدستوري، تشل الحركة في البلاد، وتأتي بخسائر هائلة على اقتصادها المنهك أصلاً ، وسيكون للجيش دور مهم في إسناد قوى الشرطة لحفظ الأمن والنظام يوم الاستفتاء، المنتظر أن يكون مشحوناً وقابلاً للتفجر.
معروف أن مرسي سعى فور توليه منصبه، إلى إعادة الجيش إلى دوره الأساس، كجيش محترف لا يتدخل بالسياسة، غير أنه وجد نفسه مجبراً على اللجوء إليه، للمساعدة في حفظ الأمن، حتى ظهور نتائج الاستفتاء، وفوق ذلك فقد منح ضباطه حق توقيف المدنيين، وكانت الاستجابة من خلال البيان الصادر عن المؤسسة العسكرية، الذي أكد مجدداً أن الجيش لا يزال قوة لا يمكن تجاهلها في الحياة السياسية المصرية، وكان وزير الدفاع أكثر وضوحاً وحسماً، حين شدد أن القوات المسلحة هي ملك للشعب، وجزء من الدولة المصرية، وتؤدي مهامها الوطنية بكل نزاهة وحيادية، وليس أدل على أن أصابع الجيش لم تغادر نهائيا موقعها في العمل السياسي، من البيان الذي دعا فيه الجيش طرفي الأزمة إلى اعتماد الحوار لحلها، وحذر من أنه لن يسمح بأن تدخل البلاد نفقاً مظلماً، نتائجه كارثية.
في يوم الاستفتاء المقرر بعد يومين، سيكون السؤال الأكثر إلحاحاً، في حال خروج المواجهات في الشارع عن السيطرة، هو هل يتدخل الجيش بأمر الرئيس أم ضده، أو بصيغة أخرى، هل يتدخل لصالح الإخوان المسلمين ومرسي، أم للقوى المدنية المناوئة، وهل يضمن أحد ولاء الجيش، لمن جاء للرئاسة من خارج صفوفه لأول مرة منذ أكثر من ستة عقود، أم أن هناك مناورة إخوانية لتقاسم السلطة مع العسكر، حتى تستتب لهم الأمور، ويتم إقرار الدستور، وحينها ماذا سيكون موقف القوى المدنية، التي وقف الجيش محايداً حين كانت تخوض معركتها مع نظام مبارك، وإذا تفجر الوضع يوم الاستفتاء، هل سيظل الجيش على الحياد، متجاهلاً أوامر الرئيس الإخواني، ليفرض الأمن على الجميع، للانتقال فيما بعد إلى إعادة بناء مرحلة انتقالية جديدة، بقواعد مختلفة عن السائدة اليوم.
يلعب مرسي بالنار وهو يعطي الجيش سلطة الضابطة العدلية ويمنحهم الحق في توقيف المدنيين، وهو إجراء يعيد إلى الأذهان حالة الطوارئ، التي كانت من أبرز أسباب الثورة ضد مبارك، وهي خطوة لن ترضي بالطبع كل المدافعين عن حقوق الإنسان، والمفارقة أن مؤيدي خطوة مرسي اليوم، كانوا رفضوا نفس الإجراء حين صدر عن المجلس العسكري، خشية العودة إلى زمن المحاكمات العسكرية للنشطاء من المدنيين، والمهم أن مرسي يواصل التخبط، وبما يمنح الجيش حق العودة للحكم، وإجهاض ثورة صنعها المواطنون بدمهم، واستولى على نتائجها الإخوان في لعبة صناديق الاقتراع، وهم يسعون اليوم للاستيلاء على الدولة, وهو ما لانظن أن الجيش سيسمح به، والمفارقة أنه سيكون على حق.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram