TOP

جريدة المدى > سياسية > النفط يفسد أحزاب العراق.. والعلاج الحديث لن يعجب الجمهور حالياً

النفط يفسد أحزاب العراق.. والعلاج الحديث لن يعجب الجمهور حالياً

نشر في: 12 ديسمبر, 2012: 08:00 م

يعدّ العراق من اكثر البلدان المعتمدة على النفط في شمال افريقيا والشرق الاوسط ، فاكثر من نصف انتاجه الاجمالي المحلي وكل عملته الاجنبية تأتي من النفط مما أدى الى مصاعب كبيرة تواجه اقتصاده.

البعض يفسّر ذلك بلعنة هذا المورد الطبيعي حيث تقول النظرية ان البلدان التي تعتمد على الموارد الطبيعية عادة ما يكون اداؤها ضعيفا، و تفتقر الى الانتاجية في مجالات الاقتصاد الاخرى، و تعاني من مؤشرات اجتماعية ضعيفة ومن اداء حكومي ضعيف ومن التسلط والفساد.

وجود النفط لا يعني بالضرورة ان البلد سيواجه هذه المشاكل؛ فهناك الكثير من البلدان التي تمتلك البترول مثل الولايات المتحدة و كندا و النرويج الا انها بلدان مزدهرة. العوامل الحاسمة في هذا المجال تتمثل في محاولة تطوير استغلال هذا المورد، و كيفية استخدام الثروة و توزيعها. ان لعنة مورد النفط تساعد في تفسير الكثير من مشاكل العراق الاقتصادية الحالية . 

هناك عدة اطروحات مختلفة للعنة النفط، الاربعة الرئيسية منها هي : الريع، القمع، السعي للاستئجار، والمرض الهولندي.

اطروحة الريع ترى ان النفط يخلق الانظمة التي لا تعتمد على جماهيرها، فالنفط يجلب اموالا كثيرة بحيث تنتفي الحاجة الى الضرائب لتمويل الحكومة مما يجعل الحكومات معتمدة على النفط وأقل تمثيلا لجماهيرها وغير مسؤولة امامها، فتكون النتيجة عدم وجود عقد اجتماعي بين الشعب والسلطة.

كما يقود الاعتماد على النفط الى ازدهار وافلاس في الاقتصاد وفي الانفاق الحكومي. وعندما ترتفع اسعار النفط تزداد معها النفقات العامة بل ان نفقات الدول تكون مفرطة مما يسبب التضخم . وبنفس الشكل عندما تنخفض اسعار النفط، فان النفقات تنقطع بشكل كبير. ثم ان النفط محدد رأسماليا وتقنيا ولا يساعد في تشغيل الكثير من ابناء الشعب، وليس هذا فقط بل ان البلدان المنتجة للبترول عادة ما تفتقر الى اليد العاملة الماهرة التي تعمل في هذه الصناعة مما يضطرها الى استيراد عمال اجانب ما يعني قلة فرص العمل.

اطروحة الفساد تقول ان الثروة الهائلة المتولدة من النفط والغاز والمشاريع الضخمة التي تشرع بها الحكومة توفر فرصا واسعة للفساد.

اما اطروحة القمع فانها مبنية على فكرة ان النفط يقود الى ظهور حكومات مستبدة تستخدم اموال النفط لتمويل قوات امنية كبيرة الحجم بهدف ابقاء النخبة في السلطة.

واطروحة السعي للاستئجار ترى ان النفط يصبح غنيمة تتنافس عليها الفصائل داخل البلد ، فتقوم الاطراف السياسية باستخدام الثروة النفطية في انشاء انظمة رعاية من اجل البقاء في السلطة. فمثلا، تشرع هذه الاطراف ببرامج حكومية تهدف الى توزيع سلع و خدمات على اتباعها بدلا من البرامج الانتاجية.

اما اطروحة المرض الهولندي فانها مبنية على التجربة الهولندية. في سنوات الستينات من القرن الماضي اكتشفت هولندا وجود الغاز الطبيعي في بحر الشمال وراحت تركز عليه في صناعاتها الاخرى ما ادى الى تشويه اقتصادها .

وترى البلدان المصابة بالمرض الهولندي ان ارباح النفط ترفع من قيمة عملتها الأمر الذي يجعل صادراتها الاخرى اقل قدرة على المنافسة، فتبدأ شركات الاعمال بالتركيز على قطاعات لا تتأثر بارتفاع القيمة وهذا يقود عادة الى تقليص الابتكار والابداع ، وعندها تتدخل الحكومة عن طريق خلق تعريفة اكثر وقاية في محاولة للحفاظ على تلك القطاعات و تكون النتيجة تحييد قطاعات الزراعة والصناعة فيزداد اعتماد البلد على النفط.

كذلك فان القوة المتنامية للعملة المحلية ترفع الطلب على المواد المستوردة لأنها تصبح رخيصة . الذي يتأثر اكثر هي البلدان التي تبدو غنية ظاهريا، الا انها في الحقيقة جوفاء اقتصاديا وفاسدة واداؤها الوظيفي ضعيف و نخبتها الحاكمة تنوي البقاء في السلطة.

يبدو ان العراق يتصف بالكثير من مواصفات بلد ضربته لعنة المورد . اولا، حسب دراسة  قام بها صندوق النقد الدولي عام 2010 ، فان العراق من اكثر بلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا اعتمادا على النفط ؛ حيث ان 60% من الناتج الاجمالي المحلي و 95% من عملته الاجنبية تأتي من النفط. بالمقارنة، فان السعودية التي هي اكبر منتج للنفط في منظمة اوبك  تعتمد على النفط في اقل من 30% من ناتجها الاجمالي المحلي و حوالي 78% من ايراداتها.

ثانيا، العراق لا يعتمد على الضرائب التي تشكل 2% فقط من الدخل الحكومي. هذا يعني ان الحكومة لا تعتمد او ترتبط بالجماهير. ثالثا، ان الانفاق العام و الناتج الاجمالي المحلي مرتبطان مباشرة بايرادات النفط. فمثلا، في عام 2008 كسب العراق 58.79 مليار دولار على شكل ايصالات نفط وبلغت ميزانيته 72.18 مليار دولار. في ذلك العام بلغ انتاجه الاجمالي المحلي 86.53 مليار دولار .

في العام التالي انخفضت ايرادات النفط الى 37.02 مليار دولار فانخفضت الميزانية الى 58.61 مليار دولار و الناتج الاجمالي المحلي الى 65.84 مليار دولار. ثم في 2010 ارتفعت اسعار النفط مرة اخرى وارتفعت معها الميزانية و الناتج الاجمالي المحلي .

هذا مجرد مثال على ازدهار و افلاس البلدان المعتمدة على النفط. ليس هذا فقط و انما – رابعا -  اكثر النفقات العامة تذهب الى الرواتب والتقاعد والسلع و الخدمات التي توفرها الحكومة، في حين يذهب القليل منها  الى البنية التحتية و الاستثمار. فمثلا، يأخذ نظام الحصة التموينية 7% من الميزانية وهي اكبر نسبة في العالم، كما ان الدولة هي اكبر صاحب عمل في البلد. خامسا، السبب في قيام القطاع العام بتشغيل الكثير من العاملين هو ان صناعة النفط – اكبر صناعة في البلد – توفر 1% فقط من فرص العمل، لذا فان على الحكومة ان تتدخل و تستخدم فرص العمل كشكل من اشكال الخدمة الاجتماعية من اجل  ارضاء الشعب . ان الحكومة هي جزء من انظمة الرعاية الواسعة التي تديرها الاحزاب الحاكمة لكي تبقى في السلطة .

سادسا، العراق واحد من بين اكثر بلدان العالم فسادا منذ عام 2003 . ففي عام 2012 جاء بالمرتبة 166 من بين 174 بلدا في مؤشر الفساد لمنظمة الشفافية العالمية .

كل ذلك يشير الى معاناة العراق من لعنة المورد النفطي، الا ان هناك بعض الاختلافات، اولها ان الدينار العراقي لم يشهد ارتفاعا كبيرا في القيمة كما يزعم المرض الهولندي. فرغم وجود تضخم كبير اواسط عام 2000 فأن البنك المركزي يسيطر عليه حاليا و يريد الآن رفع قيمة العملة الا ان رئيس الوزراء المالكي يعارض ذلك.

كما ان العراق لا يمتلك الكثير من التعريفة، و هناك القليل من الحواجز الوقائية في حين ان القليل الموجود منها قد تم تنفيذها لأن الاميركان تخلصوا من الكثير منها عندما كانوا يديرون البلاد بعد اجتياح 2003 . 

هذا يعتبر سببا رئيسيا في تراجع الزراعة و الصناعة، فالعراق مليء بالسلع المستوردة الرخيصة التي اقعدت عن العمل الكثير من المزارعين و المعامل. اخيرا، فمن المتوقع ان يصبح العراق واحدا من اسرع الاقتصادات المتنامية في العالم على مدى السنوات القادمة.

ويخمن بنك اميركا وميريل لينتش ان ينمو الناتج الاجمالي المحلي للعراق بنسبة 10.5% في 2012 و 8.2% في 2013 ، و يعود ذلك الى الانفاق الحكومي الهائل الذي يتأثر بارتفاع اسعار النفط و بالطلب المكبوت داخل البلد بعد سنوات العقوبات و الحرب. وهذا يخالف اغلب البلدان المعتمدة على النفط و التي كان اداؤها ضعيفا بالمقارنة مع البلدان التي لا تعتمد على الموارد الطبيعية .

وهناك المزيد من مواصفات لعنة النفط الظاهرة في العراق. فالنفط يؤثر على الاقتصاد و الحكومة والمجتمع، حيث خلق بلدا يعتمد على النفط في نموه وعلى القطاع العام الكبير المسؤول عن السلع و الخدمات و فرص العمل. كما انه يساعد على ابقاء الاحزاب الحاكمة في السلطة و يوفر لها الكثير من الاموال التي تذهب الى الجيوب  .

هناك الكثير من الافكار عن كيفية حل لعنة النفط لكن يصعب على العراق تنفيذها الآن . حاليا تدفع المنظمات الدولية مثل البنك الدولي بالشفافية الى العراق، فمثلا وقعت بغداد مؤخرا على مبادرة شفافية الصناعات الاستخراجية مما سيضطر السلطات الى فتح بعض سجلاتها الخاصة بالصناعة النفطية. قد يساعد ذلك في تقليص حجم السرقات المستمرة الان و يمنح الجماهير مزيدا من الثقة بالسلطات. كما يمكن للخصخصة ان تخرج الحكومة من الشؤون النفطية، و هذا بدوره  سيضطر الحكومة الى وضع نظام ضريبي و تعيد ارتباطها بالجماهير. يمكن للعراق ان يحذو حذو بلدان اخرى في وضع صندوق للنفط مما سيحدد الانفاق العام و يوفر وسائل للتخلص من الازدهار و الافلاس الذي يتعرض له البلد اليوم. الاستثمار الذكي الذي يستخدم هذا الصندوق بمكن ان يساعد ايضا في تنويع الاقتصاد، و يمكن للصندوق ان يوزع مباشرة ارباح النفط على الجماهير. يمكن لهذا ان يزيد الانفاق و يوفر دافعا لنمو شركات الاعمال الاهلية. كان ذلك مدرجا في ميزانية 2012 لكن لم يتم العمل به بسبب البيروقراطية و المشاكل السياسية التي يواجهها البلد . مع هذا فالعراق سيواجه العديد من المشاكل خلال محاولته العمل بهذا النهج؛ اولها هو ان الحكومة العراقية تفتقر الى الكادر الماهر و لديها مؤسسات ضعيفة لا تستطيع تنفيذ الاصلاحات . ثانيها، ان الاحزاب الحاكمة و الجماهير ستعارض خصخصة صناعة النفط، فالعراقيون قوميون جدا بشأن النفط و لا يريدون تسليمه الى الشركات بالاخص لأن ذلك برأيهم يعني السيطرة الاجنبية . كما ان الاحزاب السياسية ستخسر مصدرا كبيرا لاموال  السرقة و الانفاق و لذلك ستعارض الفكرة .

اخيرا،  فان بعض هذه الافكار لا تنجح حتى في البلدان المتقدمة. فمثلا، وضع صندوق للنفط يتطلب قرارات صعبة حول كمية الاموال التي تؤخذ من الميزانية، و يتطلب استثمارا ذكيا ؛ و كلاهما يمكن ان يحصل فيهما خطأ .

الشفافية هي الوحيدة التي  تنفع، لأن الكثير من شركات الطاقة التي انضمت الى وزارة النفط كشركاء لا يريدون كشف اعمالهم. بالاضافة فان العراق يمتلك نظاما سيئا للحفظ، فالكثير من السجلات غير منجزة. اذن فعلى المدى المنظور، من المحتمل ان يبقى العراق تحت رحمة لعنة المورد. يمكن ان تحصل تغيرات في الاقتصاد و الحكم لكنها قد تستغرق جيلا لأن العراق لازال مستمرا بالخروج من ماضيه المليء بالمشاكل .

يبدو العراق نموذجا مناسبا للعنة المورد. انه بلد يعتمد على النفط و قد تسبب ذلك في تدهور الاقتصاد و الحكومة في نفس الوقت. كل شيء في العراق يعتمد الى حد كبير على صناعة البترول، من الميزانية الى فرص العمل الى الغذاء الى الاستثمار . و ليس هذا فقط و انما خلق العراق شعبا يعتمد على الدولة و ليس على اية وسيلة اخرى. لقد تحدثت بغداد كثيرا عن تنويع الاقتصاد بالاموال التي تكسبها الا انه لا توجد الكثير من الخطوات الصلبة في هذا الاتجاه. هذا لا يعني انه صعب التحقيق لكن  الوضع الراهن  يبين انه ستكون هناك الكثير من المعارضة من الجماهير و من الاحزاب السياسية تجاه الافكار الخاصة باصلاح الامور .

عن : افكار عن العراق

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

بغداد تبحث سبب غياب الزعماء المفاجئ عن
سياسية

بغداد تبحث سبب غياب الزعماء المفاجئ عن "القمة".. ما علاقة قاآني؟!

بغداد / تميم الحسن انتهت "قمة بغداد"، القمة العربية الأكثر جدلًا، بنقاط إضافية لصالح المعترضين داخل "الإطار التنسيقي" على عقد الاجتماع في العراق. وكان مستوى التمثيل "مفاجئًا"، حسب تعبير مسؤول عراقي، حيث لم يحضر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram