المثنى/ كريم ستار
في مشهد متكرر يعكس حجم التحديات البيئية والاقتصادية التي تواجه جنوب العراق، يعاني نهر الرميثة في محافظة المثنى من أزمة جفاف غير مسبوقة، أثّرت بشكل مباشر على الخطة الزراعية للموسم الصيفي، وتسببت في شحة حادة بمياه الشرب والري، ما دفع العديد من الفلاحين إلى هجر أراضيهم، وأثار قلق السكان المحليين في قضاءي الرميثة والحمزة. وسط هذا الواقع القاسي، برزت بوادر تحرك رسمي محدود لمواجهة أحد جوانب الأزمة، حيث أعلنت وزارة البيئة إزالة أربع مذبات رئيسية كانت تُفرغ المياه الثقيلة مباشرة في مجرى نهر الرميثة، ضمن حملة مشتركة نُفذت بالتعاون مع مديرية بيئة القادسية والشرطة البيئية في المثنى وعدد من المسؤولين المحليين.
يروي فلاحو الرميثة والحمزة معاناتهم مع الأرض التي هجروها مجبرين، إذ لم تصلهم أي كميات مياه كافية للري منذ بداية الصيف. يقول حسن الزيادي، وهو مزارع من منطقة الدوّارة، إن الأراضي الزراعية تحولت إلى أرض بور، بعد أن تقطعت بهم السبل لشراء المياه من الصهاريج أو حفر آبار مكلفة وغير مضمونة، فالأرض عطشى ونحن عطاشى، لا الحكومة وفرت لنا ماء، ولا موسم الزراعة أنقذنا. هذا الوضع دفع بمديرية الموارد المائية في المثنى إلى تقليص الخطة الزراعية بنسبة فاقت 70%، وفق ما أكده مصدر رسمي، عزى السبب إلى غياب الإيرادات المائية الواردة من نهر الفرات ونهر التعزيز، وارتفاع نسب الملوحة في المياه القليلة المتوفرة، ما يجعلها غير صالحة للري أو الشرب.
وفي هذا السياق، حاولت (المدى) الحصول على توضيحات أوسع من مديرية الموارد المائية في المثنى بشأن أسباب تدهور الخطة الزراعية وآليات مواجهة شح المياه، إلا أن أحمد الأعرجي، ممثل إعلام الموارد المائية، اكتفى بالقول: "الخطة الزراعية متلكئة، والإيرادات المائية لا توجد، والعراق يمر بأزمة مالية ومائية حادة جداً".
تحركات بيئية محدودة
في خضم هذه الأزمة، نُفّذت حملة بيئية مشتركة شهدت إزالة أربع مذبات كانت تفرغ المياه الثقيلة في نهر الرميثة.
الحملة شملت زيارة ميدانية شارك فيها ممثلون عن مديرية بيئة القادسية، ومدير الشرطة البيئية في المثنى، إضافة إلى مسؤولين محليين، وتم خلالها توثيق عدد من المخالفات البيئية.
وأكدت وزارة البيئة أن الأعمال شملت تحويل مسارات تلك المذبات بالكامل، باستثناء واحدة مخصصة لمياه الأمطار، وهي الأخرى قيد التحويل إلى محطة المعالجة الجديدة في قضاء الحمزة.
واعتُبرت هذه الخطوة "إنجازًا بيئيًا مهمًا" لحماية هذا النهر الحيوي، بحسب مدير بيئة المثنى أمير كاظم العارضي، الذي شدد على أن نهر الرميثة يمثل المصدر الرئيس لمياه الإسالة في المحافظة، وأن "الحفاظ عليه يمثل ركيزة أساسية لصون النظام البيئي في المنطقة".
دعوات لتبطين النهر وتنقيته
وفي خطوة أخرى تسلط الضوء على مطالب الأهالي، طالب إحسان أبو جعيلة، عضو مجلس محافظة المثنى، خلال زيارته لدائرة ماء الرميثة، بضرورة تبطين شط الرميثة وتنقيته من الرواسب والملوثات. وقال الجبوري إن "الماء يصل إلى المواطنين محمّلاً بالعوالق والطين، ولا بد من تدخل عاجل لمعالجة التلوث وتحسين نوعية المياه". كما شدد الجبوري على أهمية معالجة ملوحة المياه القادمة من نهر التعزيز، التي أثّرت سلبًا على نوعية مياه الشرب، مشيرًا إلى ضرورة تنسيق الجهود بين الموارد المائية والبيئة والدوائر البلدية لحل الأزمة.
السكان بين مطرقة العطش وسندان التلوث
في ظل شح المياه، بات سكان الرميثة والقرى المحيطة بها يعتمدون بشكل شبه كامل على المياه المعبأة، أو على الصهاريج التي باتت تشكّل عبئًا ماليًا ثقيلًا على العائلات، في وقت يشهد فيه العراق أزمة معيشية خانقة. تقول أم حسن، وهي ربة منزل من قرية آل بو هليل، إنهم يشترون الماء بـ10 آلاف دينار كل ثلاثة أيام، "حتى للغسل والطبخ نشرب من هذه التانكيات، بينما شط الرميثة أمامنا يجفّ يوماً بعد يوم". ورغم أهمية الخطوات البيئية المتخذة، إلا أن السكان يرون أنها جاءت متأخرة جدًا، ولم تلامس لبّ الأزمة: غياب المياه نفسها. فالتحرك لمعالجة التلوث وحده لا يكفي ما لم تتوافر الكميات الكافية من المياه لتلبية احتياجات الناس والزراعة.
جفاف الرميثة.. النهر يحتضر وأهالي المثنى يواجهون العطش والهجرة

نشر في: 17 أغسطس, 2025: 12:02 ص









