TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > إلتزامات وتحالفات دولية وقوانين غائبة ومعطلة محلياً... أطفال العراق يلجأون "للترند" لحمايتهم من العنف!

إلتزامات وتحالفات دولية وقوانين غائبة ومعطلة محلياً... أطفال العراق يلجأون "للترند" لحمايتهم من العنف!

نشر في: 19 أغسطس, 2025: 12:08 ص

 بغداد / تبارك عبد المجيد

 

 

بين جدران المدارس المهجورة وأزقة الأحياء المكتظة، تتنقل أصوات الأطفال بين الضحك والخوف، بين اللعب والحرمان. بعضهم يفتقد للأوراق الرسمية التي تثبت وجوده، ويجد نفسه خارج دائرة التعليم والخدمات الصحية، بينما يُجبر آخرون على مواجهة مخاطر لم يعرفوا لها طريقًا. هذا الواقع الصعب يعكس ضعف حماية حقوق الطفل ويبرز الحاجة الملحة لإجراءات حقيقية واستراتيجيات وطنية تضمن لهم الأمان والمستقبل.

 

وفي خطوة على المستوى الدولي، إلتحق العراق مؤخرا بالتحالف العالمي لمسار إنهاء العنف ضد الأطفال، ليصبح ضمن 46 دولة ملتحقة بهذا التحالف، وفق تصريحات وزارة العمل، التي أكدت أن الانضمام جاء نتيجة جهود ومتابعة من وزير العمل والشؤون الاجتماعية، ويعكس إلتزام العراق بتعزيز حقوق الطفل ومكافحة جميع أشكال العنف ضدهم. ومع ذلك، يشير حقوقيون إلى أن العراق ما يزال يواجه تحديات جدية في ردم الفجوة بين الالتزامات الدولية والتطبيق المحلي، مؤكدين أن الانضمام للتحالف يجب أن يكون بداية لمسار عملي، لا مجرد التزام شكلي.

تناقض بين الالتزام الدولي والتطبيق المحلي!
ذكر مصطفى عبد الواحد، المدير التنفيذي لمنظمة تدارك لحقوق الإنسان، أن "العراق ما يزال يعاني من ضعف واضح في المنظومة التشريعية الخاصة بحماية الأسرة والطفل، مشيرا إلى أن القوى السياسية الحاكمة تمارس سياسة ممنهجة لتعطيل أية قوانين تهدف إلى ضمان حقوق هذه الفئات.
وأوضح عبد الواحد لـ (المدى)، أن "بعض الأحزاب تمنع تمرير التشريعات المتعلقة بالطفولة والأسرة لأسباب مختلفة، منها دوافع دينية، وأخرى ترتبط بمصالح سياسية وحزبية ضيقة، حيث تُستخدم القوانين أحيانا كأداة لتعزيز النفوذ السياسي على حساب المصلحة العامة".
وأضاف، أن "السلطة التشريعية عاجزة عن حماية فئات المجتمع الأضعف، وعلى رأسها الأطفال، من خلال القوانين، لافتا إلى وجود غياب شبه تام للتخصيصات المالية الموجهة لدعم البرامج الخاصة بالطفولة والأسرة"، وأشار إلى أن هذا النهج السلبي متراكم منذ عشرات السنين، ما أدى إلى إهمال قضايا الطفل على المستوى الوطني، رغم وجود مؤشرات وإحصائيات خطيرة بشأن أوضاعهم.
كما حمّل عبد الواحد السلطات الثلاث في العراق مسؤولية مشتركة للعمل على تحسين واقع حقوق الطفل، داعياً مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني والنقابات إلى تكثيف الجهود الإعلامية والمجتمعية لتسليط الضوء على هذه القضية.
وشدد بالتأكيد على أن قضايا الطفولة ليست شأن ثانوي بل تمس الأجيال القادمة ومستقبل العراق، ما يفرض على الجميع واجب العمل الجاد لحماية حقوق الأطفال ورعايتهم.
على الرغم من توقيع العراق ومصادقته على اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكولين الاختياريين الملحقين بها، إلا أن الواقع يشير إلى فجوة واسعة بين الالتزامات الدولية والتطبيق الفعلي على المستوى الوطني. هذا ما أكده الناشط مصطفى عبد الواحد في حديثه إلى طريق الشعب. ويرى عبد الواحد أن الوضع القانوني للعراق على الصعيد الدولي يبدو جيد من حيث الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية، غير أن المشكلة تكمن في ضعف التنفيذ الداخلي، إذ ما يزال البلد متأخراً في تحويل تلك الالتزامات إلى تشريعات نافذة، وتعليمات واضحة، واستراتيجيات وطنية تُعنى بحقوق الطفل وتطبقها فعلياً. وأشار إلى واحدة من أبرز المشكلات الإنسانية التي يواجهها آلاف الأطفال في مناطق النزاع، وهي فقدان الوثائق الثبوتية نتيجة اختفاء أو فقدان ذويهم، الأمر الذي تسبب في حرمانهم من التعليم، والخدمات الصحية، والحماية القانونية. واستشهد عبد الواحد بتقارير صادرة عن اللجنة الدولية لشؤون المفقودين والصليب الأحمر الدولي، والتي تؤكد وجود نحو 250 ألف مفقود في العراق خلال العقد الأخير، كثير منهم من أولياء أمور هؤلاء الأطفال.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، إذ كشف عبد الواحد عن معلومات تشير إلى قيام بعض الفصائل المسلحة المدعومة من الدولة بتجنيد أطفال دون سن الخامسة عشرة في النزاعات المسلحة، وهو ما يعد انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات حقوق الطفل.
وشدد على أن معالجة هذه الأوضاع تتطلب من العراق تبني استراتيجيات متوسطة وطويلة الأمد، تتضمن إنشاء مؤسسات وأقسام متخصصة داخل الوزارات، تعمل على رصد وتقييم مؤشرات وضع الأطفال، إلى جانب صياغة سياسات فعالة تستجيب لمخاطر التدهور الذي يعيشه الأطفال العراقيون اليوم.
وقالت الناشطة الحقوقية مرح إياد إن "انضمام العراق إلى التحالف العالمي لإنهاء العنف ضد الأطفال يمثل خطوة إيجابية على المستوى الدولي، إلا أن أثرها يبقى محدود ما لم يصاحبها تنفيذ فعلي على الأرض". وأضافت أن "الأطفال في العراق ما زالوا يواجهون تحديات جسيمة تبدأ من العنف الأسري، مرورا بالحرمان من التعليم والخدمات الصحية، وصول إلى تجنيد القاصرين في النزاعات المسلحة، وهذا كله يحدث في ظل غياب تشريعات رادعة وبرامج دعم كافية".
وأشارت أياد لـ (المدى)، إلى أن "المطلوب ليس مجرد التوقيع على الاتفاقيات، بل تكريس إرادة سياسية حقيقية لتفعيلها، من خلال إنشاء مؤسسات متخصصة داخل الوزارات وربطها بموازنات واضحة ومستدامة".
وأوضحت أن "إشراك منظمات المجتمع المدني في صياغة السياسات ومتابعة تنفيذها أمر ضروري لضمان حماية الأطفال والنساء معا، لأن إهمال هذه الفئة الضعيفة سيترك آثار طويلة الأمد على المجتمع بأسره". مؤكدة أن "بناء خطط وطنية واضحة ومستدامة أصبح أولوية لا يمكن تأجيلها، لأنها تمس مستقبل الأجيال القادمة".
نشر هشام الذهبي، صاحب دار إيواء للأطفال المعنفين والمشردين، على حسابه في منصة إنستغرام أشار فيه إلى طفل تم تعنيفه ونشره على مواقع التواصل الاجتماعي "بكل وقاحة"، ثم تتحرك الأجهزة الأمنية لتلقي القبض عليه. وأضاف هشام: "بعد يومين تهدأ القضية وننتظر طفل آخر يعنف يصبح رأي عام لنتحرك، ومن لم نعرف بهم أو نسمع بتعنيفهم ينتهي أمرهم"، متسائلاً عن متى نضع حد لهذه الانتهاكات، وختم بوضع هاشتاغ يشير إلى قانون حماية الأطفال.
في ذات السياق تؤكد الناشطة النسوية أروين عزيز أن "أغلب حالات العنف في العراق يتم التعامل معها وفقا للترند، حيث أصبح الرأي العام هو من يحدد أولويات القضايا ويسلط الضوء عليها، وقد تم إنقاذ العديد من الأطفال من العنف بفضل مواقع التواصل الاجتماعي".
وتوضح عزيز لـ (المدى)، أن "هذا الاعتماد على الرأي العام يكشف عن ضعف واضح في تطبيق القوانين المتعلقة بحماية الأطفال، ووجود انتهاكات متكررة لمبادئ الدستور العراقي الذي يكفل حق الطفل في الحماية والتعليم والصحة".
كما تشير إلى أن غياب آليات الرقابة الفعالة ونقص الموارد المخصصة لدار الحماية ومؤسسات المجتمع المدني يفاقم هذه المشكلة، ما يجعل التدخل المبكر لإنقاذ الأطفال والمساءلة القانونية أمر عاجل وضروري لضمان حقوقهم وحمايتهم من كل أشكال العنف والإهمال.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

مقالات ذات صلة

لا حسم في

لا حسم في "الإطار": الملف البرتقالي يخرج بلا مرشحين ولا إشارات للدخان الأبيض

بغداد/ تميم الحسن أصبح "الإطار التنسيقي" يبطئ خطواته في مسار تشكيل الحكومة المقبلة، بانتظار ما يوصف بـ"الضوء الأخضر" من واشنطن، وفق بعض التقديرات. وفي المقابل، بدأت أسماء المرشحين للمنصب الأهم في البلاد تخرج من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram