متابعة / المدى
تنتشر فيروسات خطيرة تسبب أمراض الشلل الحاد في غزة، حيث يعاني الأطفال الجائعون الذين يعيشون تحت الحصار الإسرائيلي من انعدام القدرة على الحصول على الغذاء أو العلاج اللازم للتعافي، مع نقص الفيتامينات الضرورية لتجديد الأعصاب.
ولعدة أشهر، حذّر مسؤولون صحيون من أن تدمير مرافق الصرف الصحي في قطاع غزة من قبل إسرائيل قد يغذي تفشي الأمراض المعدية، كما حدث في تفشي شلل الأطفال العام الماضي. والآن، يبلّغ الأطباء عن زيادة في حالات الشلل الرخو الحاد، وهو متلازمة نادرة تسبب ضعفًا في العضلات قد يجعل من الصعب التنفس أو البلع.
واستنادًا إلى رئيس قسم الأطفال، أحمد الفرا، في مستشفى ناصر بخان يونس، فإن الحالات المشخّصة في غزة تشمل التهاب النخاع الرخو الحاد، الذي يصيب غالبًا الأطفال، ومتلازمة غيلان باريه الأكثر شهرة.
ويقول الفرا، إنه قبل أكتوبر 2023، كان الشلل الرخو الحاد «شيئًا غريبًا ونادرًا جدًا»، حيث تظهر حالة أو حالتان فقط كل عام. لكن في الأشهر الثلاثة الماضية وحدها، يقول إن الأطباء شاهدوا ما يقرب من 100 حالة، مشيرًا إلى ظاهرة انتشار فيروسات معدية تنتقل بين الناس أو عبر المياه الملوثة، وتشمل فيروس شلل الأطفال، حيث انعدام خدمات الصرف الصحي، إذ تشكل المياه الملوثة بؤرًا ساخنة لانتشار المرض.
وتزايدت الإدانات الدولية لإسرائيل، وفي أقوى تصريحات لمسؤول أوروبي حتى الآن، قالت نائبة رئيس المفوضية الأوروبية تيريزا ريبيرا لمجلة «بوليتيكو» في وقت سابق من هذا الشهر إن سلوك إسرائيل في غزة «يبدو إلى حد كبير كإبادة جماعية».
وقالت منظمة الصحة العالمية في بيان إن هناك 32 حالة شلل رخو حاد تم الإبلاغ عنها بين من هم دون 15 عامًا وذلك حتى 31 تموز. وأوضحت أن الزيادة في الحالات تعكس انهيار البنية التحتية لشبكات الصرف الصحي وسوء التغذية، وتقييد الوصول إلى الرعاية الصحية.
ويقول الأطباء إن لديهم خيارات قليلة جدًا لعلاج المرضى. ففي مستشفى الشفاء في غزة، الذي دُمّر معظمه من قبل إسرائيل في أوائل 2024، تم تشخيص 22 حالة من متلازمة غيلان باريه حتى الآن، بحسب مدير المستشفى محمد أبو سلمية. توفي ثلاثة مرضى، بينما أصيب 12 بالشلل وتمت إحالتهم إلى مراكز إعادة التأهيل.
يقول الطبيب أبو سلمية: «للأسف، العلاج غير متاح لدينا».
واستنادًا إلى الفرا، رئيس قسم الأطفال في مستشفى ناصر بخان يونس، فإن أطباء غزة ناشدوا زملاءهم المتطوعين مع منظمات أجنبية محاولة جلب مرشحات لتبادل البلازما معهم، لكن هذه تُصادر غالبًا من قبل السلطات الإسرائيلية.
ويقول الفرا إن الأطفال في غزة معرّضون بشكل خاص لهذه الحالة بسبب المجاعة ونقص الفيتامينات الداعمة لتجديد الأعصاب، مشيرًا إلى أنه «لا توجد أدوية فيتامينات كافية، مع عدم توفر الفاكهة أو الخضراوات ولا وجود للحوم أو البيض، لا شيء».
من جانب آخر، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن الوضع الإنساني في قطاع غزة تجاوز حدود الكارثة، في ظل تزايد الوفيات اليومية المرتبطة بنقص الغذاء الناتج عن الحصار الإسرائيلي.
وأكد المكتب في بيان الاثنين الماضي تسجيل وفيات بسبب الجوع، من بينها حالات لأطفال، في ظل استمرار الأعمال العدائية والقيود المفروضة على إدخال المساعدات الإنسانية. وشدد على أن الجوع الشديد والانهيار الكامل للخدمات الأساسية في القطاع باتا يهددان حياة السكان، البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة، نصفهم من الأطفال.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، خلال مؤتمر صحفي بمقر المنظمة في جنيف، إن الحيلولة دون استمرار هذه الوفيات تتطلب إيصال المساعدات الإنسانية بشكل منتظم وواسع النطاق عبر جميع المعابر والطرق الممكنة.
ويقول مسؤولو الصحة في غزة إن 188 شخصًا توفوا جوعًا منذ أكتوبر 2023، معظمهم من الأطفال. وتقدّر الأمم المتحدة أن ما لا يقل عن 1373 فلسطينيًا لقوا حتفهم أثناء بحثهم عن الطعام، من بينهم 859 في مواقع تسليم المعونات.
وأعرب دوجاريك عن قلق الأمم المتحدة من إعلان السلطات الإسرائيلية نيتها توسيع عملياتها العسكرية داخل مدينة غزة، محذرًا من أن ذلك سيؤدي إلى موجات نزوح جديدة باتجاه مناطق مكتظة ومحرومة أصلًا من أبسط مقومات الحياة، كالغذاء والمياه والخدمات الطبية.
وفي سياق متصل، ذكرت وكالة «رويترز» أن آلاف الفلسطينيين نزحوا عن منازلهم بالمناطق الشرقية من مدينة غزة التي تتعرض لقصف إسرائيلي متواصل منذ أكثر من أسبوع، متجهين إلى نقاط في الغرب والجنوب خشية هجوم بري إسرائيلي قريب.
وقد أثارت خطة جيش الاحتلال للسيطرة على مدينة غزة قلقًا عالميًا، وكذلك داخل إسرائيل التي شهدت الاحد الماضي خروج عشرات الآلاف في أكبر مظاهرة منذ بدء هذه الحرب الدامية للمطالبة بالتوصل إلى اتفاق لإنهاء القتال وتبادل الأسرى والمحتجزين في غزة.
وكانت الحكومة الإسرائيلية قد أقرت في الثامن من آب الجاري خطة طرحها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإعادة احتلال غزة بالكامل تدريجيًا، بدءًا بمدينة غزة. وفي 11 من الشهر ذاته، وفي إطار تنفيذ الخطة، بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي هجومًا واسعًا على حي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة، تخلله نسف منازل باستخدام روبوتات مفخخة، وقصف مدفعي، وإطلاق نار عشوائي، وتهجير قسري.
وتبدأ الخطة باحتلال مدينة غزة، عبر تهجير الفلسطينيين، البالغ عددهم نحو مليون نسمة، إلى الجنوب، ثم تطويق المدينة وتنفيذ عمليات توغل في التجمعات السكانية. ويلي ذلك مرحلة ثانية تشمل احتلال مخيمات اللاجئين وسط القطاع التي دمّرت إسرائيل أجزاء واسعة منها، ضمن حرب متواصلة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
عن وكالات عالمية










