د. فالح الحمــراني
وجدت موسكو وواشنطن في آلاسكا، رغم خلافاتهما، أرضية مشتركة وأعربتا عن أملهما في التقارب. وأضفى بيان دونالد ترامب طابعًا جديدًا على المفاوضات، حيث اقترح إبرام اتفاقية سلام شاملة لإنهاء النزاع الأوكراني، بدلًا من هدنة مؤقتة. ومثّلت قمة آلاسكا إشارةً مهمةً إلى استعداد موسكو وواشنطن للحوار لإنهاء النزاع في أوكرانيا. مع أن الحلول العملية لا تزال بعيدة المنال. وترى موسكو ان كل شيء الآن، يعتمد على رد فعل كييف واستعداد الاتحاد الأوروبي للمشاركة في الحوار. وقد ناقش الرئيس الأمريكي نتائج اجتماع ألاسكا مع زيلينسكي وقادة الاتحاد الأوروبي. ويعتقد الخبراء أن مشاركة الدول الأوروبية ستكون ضرورية لحل النزاع. وفي وقت سابق، دعا فلاديمير بوتين الدول الأوروبية إلى عدم إجهاض الحوار، بينما قال نظيره الأمريكي إن الكرة الآن في ملعبهم.
في الوقت نفسه، أظهرت المحادثات بوضوح استمرار وجود اختلافات جوهرية في مقاربات الكرملين والبيت الأبيض، وهي اختلافات جوهرية حتى الآن. مع ذلك، لا يزال هناك أمل في تقارب تدريجي في المواقف، مما قد يمهد الطريق على المدى البعيد لحل سياسي شامل للأزمة الأوكرانية التي طال أمدها.
وجرى النظر إلى قمة ألاسكا في البداية على أنها محاولة لإعادة إطلاق الحوار بين روسيا والولايات المتحدة على خلفية النزاع الأوكراني. وتحولت المحادثات التي عُقدت ليلة 16 آب من محادثة وجها لوجه كما كان مُخطط لها بين الرئيسين، إلى اجتماع ثلاثي حتى قبل أن تبدأ، ربما جاء هذا بسبب جدول الأعمال المُزدحم. وعلى هذا النحو شارك وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ومساعد الرئيس يوري أوشاكوف في الاجتماع مع فلاديمير بوتين، بينما شارك وزير الخارجية ماركو روبيو والممثل الخاص للرئيس الأمريكي ستيف ويتكوف، اللذان سبق لهما زيارة العاصمة الروسية، مع دونالد ترامب.
سعى الجانبان عشية القمة الروسية الأمريكية في آلاسكا، إلى تجنب أخطار المبالغة في النتائج المتوقعة لها قدر الإمكان. واُعلن مسبقًا عدم وجود خطط لتوقيع أي وثائق. وقبل الاجتماع بفترة وجيزة، صرّح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بأن القمة ستكون " لجس النبض"، بينما صرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن المبالغة في التوقعات في المفاوضات تؤدي حتمًا إلى خيبة الأمل.
ويرى عدد من المراقبين في موسكو ان اجتماع آلاسكا: ساهم في توضيح وضع وآفاق تطوير العلاقات الثنائية بين روسيا والولايات المتحدة، وبين بجلاء الفرص المتاحة والمعوقات المتبقية. والآن، تكمن المهمة في الاستفادة على أكمل وجه من الفرصة المتاحة والعمل الدؤوب على تذليل المعوقات. كما نجح الطرفان في المضي قدمًا في بحثهما عن تسوية للأزمة الأوكرانية. وبالطبع، أظهر الاجتماع مجددًا أن مواقف الكرملين والبيت الأبيض لا تزال متباينة بشكل كبير. ومع ذلك، فثمة آمالٌ في حدوث تقارب أكثر بين هذه المواقف، وبالتالي في التوصل إلى تسوية سياسية شاملة للأزمة الأوروبية الحادة. وينبغي اعتبار التواصل الشخصي بين رئيسي القوتين النوويتين حدثا إيجابيًا، ويُسهم في تعزيز الاستقرار الاستراتيجي العالمي. حتى لو لم يُفضِ هذا التواصل إلى توقيع اتفاقيات مُلزمة قانونًا للحد من الأسلحة في المستقبل القريب.
وكما أعلن الطرفان فإن اجتماع القمة في آلاسكا، أسفر عن إحراز تقدم، رغم أنهما لا يزالان بعيدين عن التوصّل إلى أي اتفاقات. وصرح ترامب في مقابلة مع قناة فوكس نيوز عقب المحادثات: "تم التوصل إلى اتفاقات حول العديد من النقاط، ولكن هناك مسألة أو مسألتان مهمتان للغاية. أعتقد أنه يمكن حلهما. الآن، يقع على عاتق الرئيس زيلينسكي إنهاء العملية".
من جانبه، أكد فلاديمير بوتين أن موسكو تتوقع أن "تنظر كييف والعواصم الأوروبية إلى كل هذا بطريقة بناءة، ولن تضع أي عقبات" أمام التقدم المحرز في التسوية. وأعرب الرئيس الروسي عن أمله في أن تُشكل الاتفاقات التي تم التوصل إليها نقطة انطلاق للخطوات اللاحقة، بما في ذلك إيجاد سبل للخروج من الأزمة الأوكرانية.
ولم يُجب الرئيسان على أسئلة الصحفيين - ربما قرر الطرفان ترك الاتفاقات التي تم التوصل إليها وراء الكواليس. ووفقًا لصحيفة "الإيكونوميست"، ناقش المفاوضون اتفاقًا أوليًا لإنهاء الأعمال القتالية في المجال الجوي. ونقل الصحفي أوليفر كارول عن أحد المصادر قوله: "نعتقد أن المجال الجوي سيعطي إشارة حول النتائج الأولية لهذه المفاوضات. وسيكون الأسبوع المقبل مثيرًا للاهتمام". وأفاد مصدر لوكالة "تاس" أن روسيا والولايات المتحدة تمكنتا من حل العديد من القضايا في قمة ألاسكا، لكنهما لن "تُعلنا" عنها مُسبقًا. وأشار خبير نادي فولادي للحوار السياسي اندريه كورتونوف الى انه "... لا شك أن اجتماعًا واحدًا، حتى على أعلى مستوى، لن يُحلّ التناقضات الروسية /الأمريكية المُتراكمة منذ سنوات، إن لم يكن عقودًا. ومن غير المرجح أيضًا أن نتمكن من وقف المواجهة العسكرية في أوكرانيا بشكل كامل في أقصر وقت ممكن".
وأشار الخبير السياسي الأمريكي جيريمي كوزماروف في حديث مع صحيفة "إزفستيا" إلى أن "المؤتمر الصحفي كان غامضًا إلى حد ما. لكن ترامب وبوتين تركا انطباعًا بوجود تقدم". ويرى كوزماروف أن أوكرانيا ليست مستعدة للتنازل عن الأراضي الآن، على الرغم من أن كييف قد تتعرض لضغوط بسبب التهديد بخفض المساعدات الأمريكية. وعلى الأقل وواصل فلاديمير بوتين ودونالد ترامب الحديث في جوٍّ من الود، بعد المؤتمر الصحفي، وبعد ذلك ودعا بعضهما بحرارة وتصافحا". ويرى البروفيسور ريتشارد بانسل من جامعة كورنيل في نيويورك أن القمة التي عُقدت في ألاسكا تُعتبر انتصارًا لفلاديمير بوتين. وقال لصحيفة إزفستيا: "لقد حصل الرئيس الروسي تأكيدٍ على مكانته كزعيمٍ عالمي".
وصرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 16 آب، مخاطبًا القادة الأوروبيين، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز نقلًا عن مصادر موثوقة. إن اعتراف كييف بكامل منطقة دونباس كأرض روسية سيساعد على التوصل سريعًا إلى اتفاق سلام. وذكر المقال: "بعد لقائه مع الرئيس بوتين، تخلى ترامب عن مطلبه بوقف فوري لإطلاق النار، وبات يرى أنه يمكن الاتفاق على معاهدة سلام بسرعة إذا وافق [الرئيس الأوكراني فولوديمير] زيلينسكي على تسليم بقية منطقة دونباس إلى روسيا، حتى تلك المناطق التي لا تحتلها القوات الروسية". كما أبلغ الرئيس الأمريكي رؤساء الدول الأوروبية أنه يدعم خطة لإنهاء النزاع في أوكرانيا من خلال تسليم الأراضي غير المحتلة إلى روسيا، بدلًا من محاولة التوصّل إلى وقف لإطلاق النار.










