علي حسين
المشكلة الكبرى في هذه البلاد أن الجميع يتحدث بالقانون، لكنه يرفض التمييز بين العدالة والكوميديا، وفي الدول العادية يكون القانون سيفاً قاطعاً لمحاربة الانتهازية ونهب أموال الدولة والضحك على المواطنين. أما في بلاد الرافدين فأكثر ما يخشاه مواطن مثل "جنابي" هو أن يتحدث المسؤول أو السياسي بالقانون ويفصله حسب مقاسه،
ولأن المواطن ليس صاحب نفوذ وقوة وسلطان، فهو يخشى أن يزاحم أصحاب القرار على العيش باطمئان، فمثل هذه الكلمات أصبحت من الكماليات. بالأمس قادني حظي لمشاهدة أحد برامج "الردح السياسي"، حيث تدور معارك المصير، وتُنشد المعلقات في حب الأحزاب، بعد أن كانت تُنشد في حب الوطن قبل اعلان صافرة الانتخابات. في البرنامج الذي كان يناقش المؤامرة التي يقودها العالم اجمع ضد بلاد الرافدين، وكنت اتوقعه ان نوابنا الاعزاء وهم يغلقون اسوأ صفحة في تاريخ البرلمان العراقي، سيتحدثون عن فشلهم في اقرار قوانين تهم الناس، لكنهم مصرون على اللعب على حبال الطائفية، لا مشكلة الخدمات والفقر والبطالة والأموال التي نهبت، هذه كلها "قشور"، فالموضوع الأساسي هو الأصوات التي يجب ان يمنحها الشعب لساستنا " الكرام "، هذا هو أقصى طموحات نوابنا، البحث عن أصوات الناخبين، وكنت سأعتبر الأمر نكتة، لولا ما تحدث به نائب آخر، والذي أخبرنا "مشكوراً" أن عودته الى ساحة العمل السياسي لمنع حدوث حرب أهلية، والحل يا سيدي النائب الذي لم نسمع لك صوتا في نهب اموال البلاد يجيبنا مشكوراً: انتخبوني!! إذن عليك عزيزي المواطن أن تعتبر الانتخابات هي مجرد بروفة "ديمقراطية"، لإعادة نفس الوجوه الى قبة مجلس النواب وهذا أقصى ما تعدنا به الكتل السياسية، أما الذهاب إلى حرب أهلية أو تنتخبوننا.
لم يصل الأمر، في أسوأ البلدان الديمقراطية، إلى مطالبة الناس بمبدأ إعادة الانتخابات، ولكن هذا ما يحدث في العراق. الإعادة فيها فوائد كثيرة حتى اننا اعدنا انتخاب عالية نصيف لاكثر من مرة.
وقد سمعنا أحاديث كثيرة من هذا النوع، لكن بمثل سذاجة حديث بعض نوابنا لم يسمع أحد. لكن هذا هو حال العراق، الغارق اليوم في صراعات سياسية، فيما البلد في أشد لحظاته خطراً. وإذ تختلط السياسة بالضحك.
لماذا أصبحنا يا سادة دولة يعيش ربع مواطنيها تحت خط الفقر في الوقت الذي ينافس فيه سياسيونا على قوائم أغنياء العالم؟
لم يعد أحد يسأل لماذا أصبح الفساد جزءاً من لحم الدولة وشرايينها، لم يعد أحد يسأل من أين جاءت نائبة بكل الأموال التي تتيح لها افتتاح فروع لحزبها في جميع المحافظات، لا يوجد اليوم من يسأل السياسيين كيف تضخمت ثرواتكم؟










