المدى / عمر الشمري
مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية في العراق، اتسع نطاق الحملات الدعائية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي تحولت إلى ساحة رئيسية للتنافس السياسي، بل وإلى سوق نشط للصفحات الوهمية والممولة. هذه الصفحات لم تعد مجرد فضاء للترويج للبرامج الانتخابية، بل غدت أداة لتصفية الحسابات، والتشهير، ونشر الإشاعات، وشراء الإعجابات والمتابعين.
ويلاحظ مراقبون أن الحملات الرقمية انطلقت مبكرًا هذا العام، إذ سرعان ما بدأت الصفحات الوهمية بالعمل فور إعلان أرقام المرشحين والكيانات السياسية. ويقول ناشطون إن هذه الصفحات تتعمد استخدام عناوين مثيرة مثل: "انتظروا فضيحة المرشح" أو "خفايا لا تعرفونها"، بغرض شدّ انتباه الجمهور والتأثير على قناعاته.
ويرى كثيرون أن تأثير هذه الحملات على الناخب تراجع نسبيًا، بسبب تجارب سابقة كشفت للناس حقيقتها كوسيلة لتصفية الخصومات السياسية. غير أن هذا لا يلغي خطورتها، إذ إنها تخلق بيئة مسمومة تعيق أي نقاش موضوعي حول البرامج والسياسات.
ذاكرة مثقلة بالتسقيط
الانتخابات العراقية لطالما ارتبطت بحملات تسقيط واسعة. ففي انتخابات 2018 انتشرت مقاطع فيديو مفبركة ومسيئة لمرشحات ومرشحين، كما تم تسريب تسجيلات ووثائق بهدف إسقاط منافسين. وفي انتخابات 2021، التي شهدت عزوفًا عن الدعاية الميدانية نتيجة التوترات الأمنية والاحتجاجات، لجأ معظم المرشحين إلى الفضاء الرقمي للترويج لأنفسهم، ما عزز من مركزية الإعلام الافتراضي في العملية الانتخابية.
الجيوش الإلكترونية على الخط
إلى جانب الصفحات الوهمية، تصاعدت تحذيرات من نشاط الجيوش الإلكترونية التي تشكّلت كأداة منظمة لتوجيه الرأي العام.
ويقول مدير مركز الإعلام الرقمي مهند حبيب لـ(المدى): "ذهن المواطن العراقي ينصرف حال سماعه بمصطلح الجيوش الإلكترونية إلى المجموعات المنظمة التي تهاجم أو تدافع عبر فيسبوك وتويتر، في مشهد أصبح جزءًا من الصراع السياسي".
وأضاف أن "الفضاءات الرقمية تحولت إلى ساحة للترويج والتسقيط على حد سواء، حيث تستخدمها الأحزاب كوسيلة للدعاية، وفي الوقت ذاته كمنصة للنيل من المنافسين"، مبينًا أن الظاهرة "عالمية وليست عراقية فقط".
وأشار إلى أن "مجموعات الواتساب أو ما يُعرف بـ(الكروبات) أصبحت واجهة أساسية للجيوش الإلكترونية، إذ أثبتت دراسات أن التطبيق بات من أكثر الوسائل اعتمادًا لتداول الأخبار ومناقشتها، الأمر الذي يمنح السياسيين فرصة إضافية للتأثير في الرأي العام".
السوق السوداء لـ"اللايكات"
في موازاة ذلك، ظهر ما يمكن تسميته بـ"السوق السوداء الرقمية". فخدمات شراء "اللايكات" والمتابعين صارت متاحة على نطاق واسع، حيث يدير وسطاء داخل وخارج العراق حملات ممولة تُعطي للمرشح صورة مضخمة عن شعبيته. كما تلجأ بعض الحملات إلى نشر استفتاءات مزيفة لإيهام الناخبين بأن مرشحًا بعينه يحظى بتأييد واسع. هذه السوق غير المنظّمة خلقت بيئة انتخابية موازية، تُدار بالأموال لا بالأفكار، وتحوّل وسائل التواصل إلى ميدان تسويق يفتقر للشفافية والمساءلة.
ولغاية انتخابات 2010، كان المشهد الدعائي العراقي يعتمد أساسًا على الصور الكبيرة في الشوارع واللقاءات العشائرية. لكن ابتداءً من 2014 برز مصطلح "الجيوش الإلكترونية"، حيث بدأت الأحزاب تستخدم الحسابات الوهمية كأداة هجومية ودفاعية.
أما انتخابات عامي 2018 و2021 فقد شكّلت منعطفًا رئيسيًا: الأولى شهدت حملات تسقيط منظمة أطاحت بمرشحين عبر التسريبات والفيديوهات، والثانية عكست هيمنة الإعلام الرقمي بعد تراجع الحملات التقليدية. واليوم، مع الانتخابات المحلية المقبلة، يبدو أن الساحة الافتراضية باتت تحتكر المشهد، مع ازدهار سوق الصفحات الوهمية وتضخم دور الحملات الممولة.
متابعة رسمية ولكن..
في ظل تصاعد الشكاوى من انفلات الدعاية الرقمية وغياب الضوابط القانونية التي تحد من استخدام الصفحات الوهمية في التشهير والتسقيط، تحاول الجهات الرسمية إظهار استعدادها لمواجهة هذه الظاهرة. وتؤكد هيئة الإعلام والاتصالات أنها وضعت خطة متكاملة لمراقبة الفضاء الرقمي خلال فترة الانتخابات المقبلة، بالتنسيق مع المؤسسات القضائية والأمنية.
ويقول المتحدث باسم الهيئة أحمد العنزي لـ(المدى): "الهيئة استكملت بالتنسيق مع مجلس القضاء الأعلى والجهات الأمنية والنقابات المهنية جميع استعداداتها لرصد المخالفات في الإعلام الرقمي وتوثيق الشكاوى المتعلقة بالدعاية الانتخابية". وأوضح أن "هناك فرقًا متخصصة ستتولى مراقبة المحتوى المنشور على منصات التواصل الاجتماعي، والتحقق من الصفحات التي تمارس التضليل أو التحريض، ومن ثم مفاتحة شركات التواصل لاتخاذ الإجراءات اللازمة، وصولًا إلى حجب المواقع أو الحسابات المخالفة".
وأشار إلى أن "الانتخابات المقبلة ستختلف عن سابقاتها من حيث اعتماد معايير أكثر صرامة في متابعة النشاط الإعلامي الرقمي، بما يقلل من فرص التلاعب بإرادة الناخبين عبر الجيوش الإلكترونية".
وشدّد على أن "الصفحات المزيفة التي تنتشر بكثافة في هذه الفترة باتت تمثل تهديدًا مباشرًا للعملية الانتخابية، ولا بد من مواجهتها بشكل استباقي"، مؤكّدًا أن "الهيئة لن تتهاون مع أي جهة أو طرف يستخدم الفضاء الإلكتروني للإساءة أو نشر الأكاذيب بحق الخصوم".
ولفت إلى أن "الجهود الحالية لا تقتصر على الرقابة التقنية، بل تشمل أيضًا التعاون مع النقابات والجهات المعنية لتثقيف الرأي العام بآليات التمييز بين الصفحات الحقيقية والوهمية، حتى لا يقع الناخب ضحية حملات موجهة أو دعايات ممولة"، لافتًا إلى أن "نجاح العملية الانتخابية يتوقف على توفير بيئة إعلامية متوازنة وخالية من التضليل".
سوق الصفحات الوهمية يزدهر مع إحتدام السباق الانتخابي العراقي

نشر في: 20 أغسطس, 2025: 12:55 ص









