TOP

جريدة المدى > محليات > بغداد.. هوية معمارية مهددة بالاندثار وسط زحام الأبراج

بغداد.. هوية معمارية مهددة بالاندثار وسط زحام الأبراج

نشر في: 24 أغسطس, 2025: 12:01 ص

 متابعة / المدى

 

يتجول الحاج عقيل الياسري في أزقة بغداد متأملاً بيوت الماضي والحاضر، ليعبر بأسف عن «عشوائية البناء» التي أصبحت سمة بارزة في العاصمة. ويقول إن المنازل في السابق كانت تحمل طابعاً يحدد زمنها أو أسلوبها، سواء في السبعينيات أو الثمانينيات أو الطراز العثماني أو اليهودي، أما اليوم فلم تعد الأبنية تحمل هوية معمارية واضحة. ويرى أن العمارات الجديدة تمثل «مصدر تلوث بصري» بسبب ألوانها وموادها غير المنسجمة مع البيئة المحلية.

 

شهدت بغداد في السنوات الأخيرة طفرة عمرانية واسعة تمثلت في انتشار العمارات السكنية والمجمعات التجارية والمولات، بدعم من الجهات الرسمية وإقبال من المواطنين. غير أن هذه النهضة لم تراعِ الخصوصية المعمارية العراقية، ما أدى إلى طمس الهوية التراثية، بحسب مختصين يرون أن الحاجة قائمة للموازنة بين الحداثة والتراث في البناء.
المهندسة المعمارية هديل كريم توضح أن التحول من النمط الأفقي إلى العمودي جاء نتيجة شح الأراضي السكنية، وارتفاع أسعارها، وزيادة الطلب على السكن، إضافة إلى دخول الاستثمارات الأجنبية. وتشير إلى أن بعض العائلات الصغيرة باتت تفضل السكن في مجمعات «الكومباوند» الحديثة التي توفر خدمات الحماية والمصاعد والمرائب. لكنها تؤكد أن الكثير من هذه المشاريع تفتقر إلى الطابع المحلي وتعتمد على تصاميم عشوائية أو مستوردة. وتلفت إلى محاولات شبابية محدودة لإحياء الطابع المحلي، مثل مشروع «برج النخلة» للمعماري نواف محمد الذي استوحى تصميمه من النخيل العراقي بطريقة عصرية.

مسؤوليات متداخلة وتحديات بيئية
وزارة الإعمار والإسكان وضعت مؤخراً استراتيجية للمشاريع السكنية المستدامة تضمنت معايير بيئية كاستخدام المواد العازلة للحرارة. غير أن المتحدث باسمها نبيل الصفار أوضح أن اعتماد الطابع التراثي ليس من صلاحيات الوزارة بل من مسؤولية أمانة بغداد، التي نفذت أعمالاً محدودة لإظهار الوجه التاريخي في مواقع مثل شارع الرشيد والمتنبي.
رغم هذه الجهود، يظل غياب الضوابط العمرانية واضحاً، حيث تهيمن الأبنية العمودية المتكدسة وتختفي الحدائق والواجهات الخضراء، فيما تقلصت مساحات الارتداد الأمامي نتيجة ارتفاع أسعار الأراضي وضيق المساحات.
المهندس المعماري غسان حسن الخفاجي يرى أن العشوائية الحالية تعود إلى غياب ضوابط ومعايير محلية، ما أدى إلى تصاميم هجينة لا تنسجم مع الثقافة أو المناخ العراقي. ويشير إلى أن الاعتماد على أنماط عالمية متباينة خلق بيئة عمرانية مشوشة بدل أن تكون متوازنة. ويضيف أن هذه التصاميم لا تراعي الأداء البيئي، بعد أن تخلت عن مبادئ العمارة التقليدية التي كانت تستجيب للمناخ بالمواد المحلية وتوزيع الفراغات، ما زاد من الاعتماد على حلول تقنية مستوردة مكلفة وذات أثر بيئي سلبي.
ويؤكد الخفاجي أن المدن التاريخية مثل بغداد والموصل وكركوك وأربيل شهدت اختراقات عمرانية أضعفت نسيجها الحضري. ويرى أن إعادة تشكيل هوية معمارية عراقية تتطلب وضع ضوابط تصميمية ملزمة تستند إلى الإرث المحلي وتتبنى مبادئ الاستدامة. كما يشير إلى أن قرار أمانة بغداد عام 2004 بالسماح بإنشاء طابق ثالث في المنازل أدى إلى تنافر بصري بين البيوت القديمة ذات الارتداد التقليدي بمسافة خمسة أمتار وبين الأبنية الحديثة التي افتقدت هذه المساحة.

أزمة هوية معمارية
المهندسة المعمارية لبان فارس تصف الوضع الراهن بأنه أزمة هوية واضحة، إذ أدى تأثر أصحاب المنازل بالعمارة الغربية إلى انتشار طرز متباينة مثل الروماني والقوطي والبغدادي في وقت واحد. وتوضح أن وجود المجمعات السكنية وسط بغداد ينعكس سلباً على هويتها التراثية، خاصة مع غياب الاعتبارات المناخية في التصاميم الجديدة.
وتشير فارس إلى أن اختلاف الطرز والعشوائية في البناء يهددان هوية بغداد التاريخية، ما يستدعي وضع خطة شاملة وقوانين معمارية واضحة تضمن الحفاظ على خصوصيتها ومنع اندثار معالمها المعمارية في ظل التوسع العمراني السريع.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

مقالات ذات صلة

سيول السليمانية.. خسائر ووفيات وجمجمال تناشد بغداد بالتدخل السريع
محليات

سيول السليمانية.. خسائر ووفيات وجمجمال تناشد بغداد بالتدخل السريع

 السليمانية / سوزان طاهر   أدت السيول الأخيرة التي اجتاحت قضاء جمجمال في محافظة السليمانية إلى وقوع كوارث إنسانية، أودت بحياة اثنين من المواطنين وإصابة العشرات، فيما لا يزال مصير اثنين من المواطنين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram