السليمانية / سوزان طاهر
بعد أحداث دامية شهدتها السليمانية مساء يوم الجمعة الماضية، عادت الحياة مجدداً إلى شوارع المدينة، عقب قيام القوات الأمنية باعتقال رئيس جبهة الشعب لاهور شيخ جنكي، على أثر مواجهات مسلحة واشتباكات استمرت ساعات طويلة، سقط خلالها قتلى وجرحى من الطرفين.
وكانت محكمة تحقيق الأمن في السليمانية قد أصدرت مذكرة توقيف بحق لاهور شيخ جنكي بموجب المادة (56) من قانون العقوبات العراقي، على خلفية قضايا تتعلق بالأمن والنظام العام.
وأصدرت مؤسسة الآسايش في إقليم كردستان بياناً حول الاشتباكات المسلحة التي وقعت فجر الجمعة في السليمانية واعتقال لاهور جنكي وعدد آخر من المطلوبين.
وأشار البيان إلى أنه خلال مواجهات مسلحة استمرت أكثر من ثلاث ساعات، فجر الجمعة (22 آب)، تمكنت قواتنا من السيطرة على فندق «لال هزار» في حي سرجنار بالسليمانية واعتقال جميع المسلحين الذين واجهوا قواتنا.
وبعد صدور أوامر اعتقال بحق المطلوب لاهور شيخ جنكي وعدد آخر من المطلوبين من قبل محكمة تحقيق الآسايش وفق المادة (406) من قانون العقوبات العراقي، تسلمت قواتنا أوامر الاعتقال، وبذلت جهوداً كبيرة لإقناع المطلوبين بتسليم أنفسهم للقانون، عبر الاتصالات الهاتفية ومكبرات الصوت تحت عنوان: «أي شخص يسلم نفسه فهو آمن، ونطمئنكم بأنكم ستكونون بأمان». لكن، ونتيجةً لعدم امتثالهم للقانون، وكما ورد على لسانهم بأنهم يملكون ميليشيات مسلحة وسيواجهون الآسايش ــ وهي القوات الرسمية لحكومة الإقليم ــ أطلقوا النار على قواتنا لمنع اعتقالهم في فندق «لال هزار».
الاعتداء على قوة رسمية
في هذه الأثناء يؤكد عضو الاتحاد الوطني الكردستاني صالح فقي أن ما جرى هو عملية لتنفيذ القانون على أثر صدور مذكرات قضائية بحق عدد من المطلوبين.
ولفت خلال حديثه لـ «المدى» إلى أن «ما جرى لا علاقة له بتصفية المعارضة والخصوم، فالمعارضة وأحزابها موجودة في السليمانية وتمارس نشاطها بحرية، دون مضايقات».
وأضاف أن «القوة التي ذهبت لاعتقال لاهور شيخ جنكي كانت قوة رسمية من الآسايش وجهاز مكافحة الإرهاب والشرطة والبيشمركة، فتم الاعتداء عليها، وقُتل ثلاثة أشخاص، وبالتالي تحولت قضية المطلوبين إلى المادة (406) من قانون العقوبات العراقي».
وأشار إلى أنه «لا توجد أي دولة في العالم تقبل بوجود قوة مسلحة خارجة عن القانون، تحمل السلاح الثقيل، وتريد زعزعة الأمن والاستقرار في السليمانية، وبالتالي الأجهزة الأمنية تعاملت وفق القانون».
يُذكر أن شيخ جنكي شغل منصب الرئيس المشترك للاتحاد الوطني الكردستاني، قبل أن يُعزل بقرار من بافل طالباني في تموز/يوليو 2021 إثر خلافات حادة داخل الحزب. وبعدها أسس حزب جبهة الشعب الذي شارك لأول مرة في انتخابات برلمان كردستان عام 2024 وحصل على مقعدين.
وشهدت السنوات الماضية، وتحديداً في عام 2021، قيام بافل طالباني بتجريد ابن عمه لاهور شيخ جنكي من منصب الرئيس المشترك للحزب، فضلاً عن الاستيلاء على جميع المؤسسات التي كان يمتلكها، وتجريد أشقائه من المناصب التي كانوا يشغلونها، وسحب جميع الامتيازات منهم.
ودخل رئيس وزراء إقليم كردستان على خط الأحداث، حيث أكدت رئاسة الحكومة أنها لم تكن على علم بالمواجهات المسلحة التي اندلعت في فندق «لال هزار» بالسليمانية إلا في الساعات الأخيرة لبدء المداهمات.
واعتبر البيان أن القانون يجب أن يحل محل القرارات الحزبية والعنف، وألا يتكرر القتال والفوضى حتى لا يُعرّض استقرار إقليم كردستان للخطر.
استخدام قوة مسلحة كبيرة
في المقابل قال عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني شيرزاد حسين: «لسنا ضد تنفيذ القانون والإجراءات القضائية، ولكن يجب أن تتم بعلم الحكومة».
وأوضح خلال حديثه لـ «المدى» أن «ما جرى في السليمانية تخللته أعمال ترويع للمواطنين، واستخدام قوة مسلحة كبيرة وبشكل مفرط، وهذا يتعارض مع حقوق الإنسان، وكان الأولى أن تُعلم حكومة الإقليم باعتبارها الجهة الرسمية بتفاصيل عملية الاعتقال، وأن تتم العملية عن طريق قوى رسمية وليست حزبية».
وذكر أن «الإجراءات القانونية والقضائية يجب أن تكون بعلم الحكومة ووزارة الداخلية، باعتبارها الجهة الأمنية المخولة بتنفيذ أحكام القضاء».
هذا وأعلنت محكمة السليمانية فتح تحقيق مع المعتقل لاهور جنكي ومعاونيه بتهمة القتل العمد، بعد وقوع قتلى وجرحى خلال تنفيذ أمر القبض بحقه. وقال نائب رئيس المحكمة صلاح حسن في تصريح صحفي إن «لاهور جنكي وأشقاؤه كانوا مطلوبين قضائياً وفق المادة (56) من قانون العقوبات العراقي وقانون مكافحة الإرهاب».
وأضاف أن «بعد رفضهم الامتثال للقانون ومواجهة القوات الأمنية وما أسفر عنه من استشهاد وجرح عدد من الأشخاص، سيتم التحقيق معهم وفق المادة (406) من قانون العقوبات، وهي المادة الخاصة بالقتل العمد».
ودعت رئاسة إقليم كردستان، بعد حادثة السليمانية، إلى حل الخلافات بالوسائل السلمية والقانونية.
وذكرت الرئاسة في بيان أنه «في أعقاب الحادث الأليم الذي وقع صباح اليوم في السليمانية، والذي أودى بحياة عدد من الأشخاص، فإننا نؤكد على سيادة القانون وحماية أمن المدينة وسلامتها ومنازل المواطنين. يجب حل جميع الخلافات بالقانون والوسائل السلمية».
خطة سياسية
في سياق آخر، يرى الباحث في الشأن السياسي نوزاد لطيف أن ما جرى يعكس حالة الخلافات التي يعيشها الاتحاد الوطني الكردستاني، وطموحه لزيادة نفوذه.
وبيّن في حديثه لـ «المدى» أنه «حتى لو كانت العملية لتنفيذ مذكرة قضائية، فإن التوقيت يثير الشكوك، خاصة وأنها جاءت قبيل الانتخابات البرلمانية، فاعتُبرت بمثابة تصفية للمعارضين والخصوم، بغرض السيطرة على السليمانية كلياً ومنع القوى المعارضة من التمدد».
وشدد على أن «أحزاب المعارضة، وخاصة حراك الجيل الجديد، بدأت تشكل قوة متنامية بعد انتخابات برلمان كردستان الأخيرة، وهذا الأمر بات يحرج الاتحاد الوطني، الذي يخشى من خسارة عدد أكبر من المقاعد في الانتخابات القادمة».










