ألكسندر شاتيون
ترجمة: عدوية الهلالي
قبل أربع سنوات، تم تأسيس منظمة "سوبرنوفا" الفرنسية غير الحكومية، التي تعمل في المناطق المتضررة من الأزمات، ومهمتها هي دعم الشباب الذين يعيشون في بيئات هشة للغاية في ليبيا واليمن وسوريا والسودان ومايوت. وينبع عملها من قناعة راسخة بأن توفير فرص العمل للشباب في مناطق الأزمات يُمكّنهم من أن يصبحوا دعاة سلام، بدلًا من تركهم يقعون في دوامات العنف أو ينضمون إلى الميليشيات بدافع اليأس.
وفي غزة، وعلى مدار الأشهر الثلاثة الماضية، منعت السلطات الإسرائيلية هذه المنظمة غير الحكومية من دخول قطاع غزة لمواصلة أنشطتها هناك. ومع ذلك، كانت محظوظة بالاعتماد على فريق محلي، بفضله يواصل 1000 طفل الدراسة يوميًا، وتتلقى 1000 امرأة الدعم النفسي اليومي في المخيمات. ويستمر عملها، ولكن في ظل ظروف بالغة الصعوبة. ولتوضيح خطورة الوضع، يمكن القول إن غزة بلا شك هي المنطقة الأكثر رعبًا، ففي معظم النزاعات، تتاح للمدنيين فرصة الفرار، أما في غزة، فهذا مستحيل: فالسكان محاصرون، تمنعهم السلطات الإسرائيلية من الفرار، ويمكن أن يموت طفللاً رضيعاً بسبب نقص الحليب المجفف فتوزيع السلع الأساسية فوضوي، والحشود كبيرة، والموارد غير كافية. ففي غزة، يموت الأطفال ليس فقط من القنابل، بل أيضًا من الجوع. وهذا هو الواقع الراهن على الأرض.
لقد تأسست المنظمة بتركيز على العمل لأجل الأفراد،وهي مُستوحاةً من مبادئ القانون الدولي الإنساني، التي يُعدّ الحياد من أهمّها. مع ذلك، في ضوء ما يحدث في غزة اليوم، يُصبح من المستحيل التزام الصمت. فالمنظمة تتأثر مُباشرةً بالقرارات الأحادية الجانب للسلطات الإسرائيلية، وخاصةً فيما يتعلق بدخول القوافل الإنسانية. فقبل 7 تشرين الأول 2023، كان يدخل قطاع غزة يوميًا حوالي 500 شاحنة مساعدات إنسانية. أما اليوم، وفي خضم حالة طوارئ إنسانية، فلا يُسمح إلا لحوالي ثلاثين شاحنة فقط يوميًا. وهذا الرقم ليس بسبب نقص الموارد، بل هو قرار سياسي اتخذته السلطات الإسرائيلية، التي حددت حصصًا بشكل تعسفي.وهذا يجعل عمل المنظمة شبه مستحيل، فهي تواصل العمل، ولكن في ظل ظروف تمنعها من أداء مهمتها على أكمل وجه. ويزداد الأمرصعوبة بعدم التحدث عن ذلك.
وتحدث انتهاكات للقانون الإنساني الدولي يوميًا في غزة. وتشمل هذه الانتهاكات قصفًا يستهدف المدنيين، وعرقلة إيصال المساعدات الإنسانية، ومنع الوصول إلى الرعاية الصحية. ويكفي متابعة الأخبار لإدراك حجمها.ولا يتوقف إنهاء هذه الاستراتيجية الإسرائيلية على إسرائيل وحدها، بل إنها تُدار أيضًا في واشنطن، في المكتب البيضاوي. وطالما استمر دونالد ترامب في دعم بنيامين نتنياهو، سواء لأسباب تتعلق بالسياسة الواقعية، أو المصالح الاستراتيجية، أو لأسباب تجارية مثل مبيعات الأسلحة، فإن أي حل دائم سيتطلب تحولًا في الموقف الأمريكي.
ويحظى نتنياهو حاليًا بدعم اليمين الإسرائيلي المتطرف. فبعد شهر من وقف إطلاق النار في كانون الثاني، استؤنفت الانتهاكات، واُستأنف القصف، وحُظر دخول المساعدات الإنسانية مرة أخرى لمدة شهر ونصف. وفي اليوم نفسه الذي سُمح فيه أخيرًا بدخول القوافل، اصطف ناشطو اليمين المتطرف على الطريق لإغلاق الطريق أمام الشاحنات عند مدخل غزة.وهذه هي القاعدة الانتخابية التي يسعى نتنياهو إلى استرضائها. وتستمر هذه الانتهاكات يوميًا، بدعم - أو على الأقل بتهاون - دونالد ترامب، الذي ساهمت رؤيته الأحادية للعلاقات الدولية في تقويض المعايير متعددة الأطراف. فمع صعوده إلى السلطة، انهارت المبادئ الدبلوماسية القائمة على احترام القانون الدولي ومنها: سحب تمويل الأمم المتحدة، والعداء لإيران، وتجاهل قنوات التفاوض التقليدية بين الدول. واليوم، في غزة، يبدو القانون الدولي معطلاً، ويبدو أن كل شيء مسموح به.
لقد توجهت جنوب أفريقيا إلى المحكمة الجنائية الدولية في وقت مبكر لمتابعة التهم ضد بنيامين نتنياهو. ومع ذلك، لم يكن لهذه الخطوة أي تأثير ملموس حتى الآن، إذ تعتمد المحكمة الجنائية الدولية، كغيرها من المؤسسات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية أو وكالات الأمم المتحدة المختلفة، على التعاون الطوعي للدول الأطراف في نظام روما الأساسي. وإذا اختارت الولايات المتحدة - التي لم تُصادق على النظام الأساسي - عدم الالتزام بالقانون الدولي، فلا أحد يستطيع إجبارها على ذلك. واليوم، تمارس الولايات المتحدة احتكارًا فعليًا للعنف المشروع على المستوى العالمي، مع قليل من الاهتمام بالقانون الدولي أو المبادئ الأساسية للعلاقات الدولية.
وترى المنظمة إن من غير المرجح أن تتمكن هذه المؤسسات من إنفاذ قراراتها على المدى القصير. لكنها تأمل على المدى البعيد - ربما خلال عشر سنوات - أن يُحاسب المسؤولون عن آلاف الوفيات الناجمة عن هذه السياسات والإجراءات أمام محكمة قانونية. وغالبًا ما يكون التسلسل الزمني للعدالة غير متزامن مع التسلسل الزمني للأحداث، لكن هذا لا يعني أنها غير موجودة.لذا تأمل أن تُقدم المحكمة الجنائية الدولية بنيامين نتنياهو للعدالة في نهاية المطاف، وأن يُحتجز يومًا ما على جرائمه.
وفي البلدان التي تعمل فيها المنظمة، ومعظمها دول عربية إسلامية، لاحظ أعضاؤها تضامنًا اجتماعيًا أقوى بكثير مما نراه اليوم في أوروبا. وهذا التضامن عائلي، وجماعي، وإقليمي، ولكنه أيضًا بين الأجيال. ففي غزة، على سبيل المثال، تقدم الدعم النفسي للنساء وتنظم حملات توعية حول العنف ضد المرأة في المخيمات. تُسهم حالات النزاع والتوترات المستمرة والاكتظاظ في ظهور سلوكيات عنيفة. ومن خلال هذا العمل، تأمل أن تساهم في تخفيف التوترات، وتخفيف معاناة النساء، وبالتالي معاناة الأسر ذات العائل الواحد والمجتمعات ككل.










