علي حسين
احتمالان لا ثالث لهما في تفسير حالة الدروشة التي استبدت ببعض النواب وهم يحددون مسار العملية الديمقراطية في العراق، إما أنهم يعتقدون أننا شعب بلا ذاكرة، او ان الطموح الشخصي عند البعض منهم جعلهم يتعامل مع مستقبل العراق على طريقة أفلام "رعاة البقر" والتي دائما ما تنتهي بأن يطيح البطل بجميع خصومه.
ووفقا لأحدث منتجات معمل السياسة العراقية، فقد حذرنا بعض النواب بـالويل والثبور وكبائر الامور لو اننا فكرنا مجرد تفكير بتعديل خارطة العملية السياسية، والسبب في ذلك ان بعض رؤوس العملية السياسية يخشون من عودة البعث من جديد، ونقول من الطبيعي ان يثور البعض ولا يرضى ان يعود حزب دكتاتوري الى الحياة السياسية، لكن المفاجأة يا سادة ان مفوضية الانتخابات استبعدت عشرات المرشحين من كتل سياسية لا تزال تصرخ في الفضائيات محذرة من عودة البعث، وقد اتضح ان الكثير من مرشحيها مشمولين بقرارات اجتثاث البعث .
ما يجري هذه الايام من تخويف الناس وترويعهم، مرة بحجة الخوف من العملاء الذين يريدون إعادة البعث، ومرات عدة بشعارات عن النضال والجهاد في سبيل الوطن والحرص على الطائفة، ولعل نظرة سريعة على المشهد الراهن تكشف بجلاء أن البعض يريد ان يكسر شوكة الآخرين من خلال تنفيذ مخطط لترويض الجميع على الإذعان للامر الواقع، لتبدأ بعدها مرحلة التربص بالجميع من خلال سياسات متعمدة تستهدف الإجهاز على أي مطالب للإصلاح، وحين تطالب الناس بالعدالة الاجتماعية ومحاسبة المفسدين نجد المقربين يهرعون ليتهموهم بانهم "اذناب للبعث" وبانهم ارتضوا ان يعيشوا مع صدام ونظامه تحت سماء واحدة ولم يهاجروا أو يناضلوا في سبيل الحصول على جنسية ثانية.
لماذا يرى البعض في نفسه وزملائه خصال وصفات لا يراها 40 مليون عراقي عاشوا الظلم والقهر والاستبداد والجوع، سيقول البعض ان بعض السادة النواب يرون علامات الجهاد والنضال والإنجازات في راتبه الفلكي والمصفحة الفارهة وقضائه عطلة الصيف والشتاء في ربوع لندن، ولهذا فهو لا يرى في الشعب العراقي إلا مجموعة من البعثيين والخونة، مطلوب اجتثاثهم فورا.
في عراق اليوم يرى البعض من الساسة انهم الصفوة التي من حقها ان تحتكر السلطة، وان تقضم الحصة الأكبر من الكعكة العراقية من خلال خطاب غارق في الطائفية والجهل. حين يتحول نواب منتخبون الى دعاة لدولة الهبات والعطايا وتوزيع ثروات البلاد واشاعة الطائفية.. فأننا نشهد فصلاً جديداً من فصول انتحار الممارسة السياسية، تنهار معه كل أبجديات العدالة الاجتماعية، ويتحول الساسة إلى مشجعين على الانتهازية والمحسوبية ونهب المال العام، ويتجلى الخلل الأخلاقي في محاولة الكذب الصريح على الناس، بألوان شتى من الخطب والشعارات عن مؤامرات وهمية.










