TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > عامان من عودة مجالس المحافظات.. صلاحيات دستورية تُهدر وخدمات غائبة وسط صراعات لا تنتهي

عامان من عودة مجالس المحافظات.. صلاحيات دستورية تُهدر وخدمات غائبة وسط صراعات لا تنتهي

نشر في: 25 أغسطس, 2025: 12:10 ص

 بغداد/ يمان الحسناوي

منذ تأسيسها بعد عام 2003، مثّلت مجالس المحافظات أحد أبرز ملامح تجربة اللامركزية الإدارية في العراق، إذ أُنيط بها دور رقابي وتشريعي محلي لمتابعة أداء الحكومات المحلية. غير أن مسار هذه التجربة لم يخلُ من الانتقادات، خصوصًا بعد تجميد عمل المجالس في عام 2019، على خلفية احتجاجات تشرين التي طالبت بإصلاحات شاملة، حيث اعتُبر غياب المجالس حينها عاملًا ساهم في تحسين كفاءة التنفيذ المحلي.
ومع عودتها إلى الواجهة مرة أخرى، عاد الجدل حول جدوى هذه المجالس وصلاحياتها، خاصة في ظل واقع خدمي متراجع، وشكاوى المواطنين من غياب التحسن في القطاعات الأساسية، رغم تغيّر وجوه المحافظين وتنوع خلفياتهم بين حزبيين وتكنوقراط.
مع مطلع شباط 2024، بدأت مجالسُ المحافظات في العراق، التي انتُخبت في الانتخابات التي جرت في 18 كانون الأول 2023، وأعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات نتائجَها النهائية في 28 كانون الأول 2023، ثم صدّق عليها مجلسُ المفوّضين في 21 كانون الثاني 2024، بدأ كل منها بانتخاب المحافظ وهيئة الرئاسة لكل محافظة، لتستأنف هذه المجالسُ عملَها، بعد أن علّقه مجلس النواب أواخر عام 2019، إثر احتجاجات تشرين الأول من العام نفسه.

صلاحيات المجالس
تُعد مجالس المحافظات في العراق وفقاً للدستور، بمثابة السلطة التشريعية والرقابية في كل محافظة، حيث لهذه المجالس المنتخبة الحق في إصدار التشريعات المحلية، بما يمكنها من إدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية، من دون أن يتعارض ذلك مع الدستور والقوانين التي تندرج ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية.
تمتد الدورة الانتخابية لمجالس المحافظات العراقية أربع سنوات. تبدأ مع أول جلسة لها، وفقاً لقانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم الصادر عام 2008، وتتمتع تلك المجالس بالاستقلال المالي، ويمثلها رئيسها أو من يخوله، وتخضع لرقابة مجلس النواب بشكل مباشر، كما لها موازنات ممنوحة من قبل الحكومة الاتحادية.
أيضا يمكن لمجالس المحافظات تحصيل إيرادات مالية جراء الخدمات التي تقدمها والمشاريع الاستثمارية الخاصة بكل محافظة، علاوة على الإيرادات المتحصلة من الرسوم والغرامات المحلية، والمفروضة وفقاً للدستور والقوانين الاتحادية النافذة.
الى ذلك، بين النائب المستقل، حسين السعبري، أهمية عمل مجالس المحافظات، لافتاً الى أن إلا أن أداء أعضاء مجالس المحافظات لا يرتقي إلى المستوى المطلوب. وقال السعبري خلال حديثه لـ(المدى) إن مجالس المحافظات هي خدمية تراقب أداء الدوائر وعمل القطاع الخاص، لذلك من المفترض أن تكون لهم بصمة واضحة في المحافظات. واضاف، أن الخلافات السياسية بين المحافظين ورؤساء المجالس أدت إلى تفاقم المشاكل، حتى باتت هذه المجالس أشبه بحلقة فارغة تُغذي الفساد وتطغى سلبياتها على أي جانب إيجابي.
وبعد مرور عامين على تسلم المحافظين الجدد من مختلف الأحزاب، وكذلك التكنوقراط، مناصبهم عقب انتخابات 2023، لم يلحظ المواطنون في المحافظات خارج إقليم كردستان أي تغيير ملموس في الواقع الخدمي. فما زالت الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء والصرف الصحي تعاني من التدهور ذاته، في حين لم تنخفض معدلات البطالة والفقر التي تثقل كاهل السكان، ما عزز الشعور بخيبة الأمل العامة من الأداء الحكومي المحلي.
ويقول الباحث في الشأن السياسي، مجاشع التميمي لـ(المدى)، إن "الوعود التي أطلقتها القوى السياسية بشأن تحويل الحكومات المحلية إلى أدوات فاعلة للتغيير، سرعان ما تبخرت تحت ضغط المصالح الحزبية الضيقة وسوء التخطيط وضعف الإرادة".
حتى المحافظين الذين تولوا مناصبهم بصفة "تكنوقراط" لم يتمكنوا من كسر الطوق السياسي والبيروقراطي، حسب التميمي، الذي يضيف أن المواطن "لم يشعر بأي فارق يُذكر بين مرحلة ما قبل الانتخابات وما بعدها".

صلاحيات قانونية
وأعطى القانون العراقي مجالس المحافظة صلاحية استجواب المحافظ أو أحد نائبيه لعدة أسباب، من بينها هدر المال العام أو الإهمال والتقصير في أداء الواجب، أو عدم النزاهة والاستغلال الوظيفي، فضلاً عن مراقبة جميع أنشطة دوائر الدولة في المحافظة، باستثناء المحاكم والوحدات العسكرية والكليات والمعاهد والدوائر التابعة للحكومة الاتحادية.
وبهذا الصدد، يقول الخبير القانوني علي التميمي، إن "مجلس النواب العراقي يمتلك صلاحية الرقابة على مجالس المحافظات وفق المواد 20 و21 من قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم 21 لسنة 2008".
ويضيف الخبير القانوني: "لمجلس النواب صلاحية حل المجالس المخالفة للدستور والقانون بالأغلبية المطلقة بطلب من ثلث أعضاء البرلمان، ثم يدعو المحافظ إلى انتخابات جديدة في المحافظة".

دور وأهمية مجالس المحافظات
وفق قانون 21 لسنة 2008 لإدارة المحافظات غير المنتظمة بإقليم، تمارس مجالس المحافظات دوراً كبيراً في صياغة الحياة الخدمية المحلية وتنظيمها عملياً ضمن رؤية عامة للقوانين والتشريعات البرلمانية.
وتكمن أهمية المجالس في إقالة وانتخاب رئيس مجلس المحافظة بالأغلبية المطلقة (نصف + 1) خلال أول جلسة يعقدها المجلس ضمن مدة 15 يوما بعد المصادقة على نتائج الانتخابات من قبل المحكمة الاتحادية، لتلعب الدور الرقابي المباشر على الدوائر ومدراء هذه الدوائر المرتبطة بالمحافظة والذين تختارهم الوزارات المعنيّة بعد ترشيح وتوصية المجالس، فضلاً عن انتخاب مجلس المحافظة المحافظَ الذي يمثل أعلى سلطة إدارية وتنفيذية في المحافظة، وانتخاب نائبيه وخلال مدة 30 يوماً من انعقاد أول جلسة بالأغلبية المطلقة (نصف + 1)، بالإضافة الى إعداد مشروع الموازنة الخاصة بالمحافظة ثم المصادقة عليها، وإصدار التشريعات المحلية العامة لتنظيم الحياة الإدارية داخل المحافظة بما لا يتعارض مع الدستور وتشريعات مجلس النواب وفق الصلاحيات الممنوحة في قانون 21.

التجربة المشوّهة
لم تكن تجربة مجالس المحافظات مكتملة لدرجة تمكّن من الحكم عليها إن كانت حلقة مهمة أم زائدة في الحياة السياسية والإدارية والتنظيمية العراقية، إذ كانت ميداناً آخر للصراع السياسي الذي عصف بالبلاد منذ أول انتخابات جرت لتشكيل هذه المجالس في كانون الاول عام 2005 من ثم انتخابات كانون الثاني عام 2009 من ثم آخر انتخابات جرت في نيسان عام 2013.
وساعد الواقع الأمني والسياسي المضطرب بتعثراتها وفشلها، فدخل العامل السياسي والأمني على أدوار هذه المجالس وقادها لتشوّه كبير فاقمته صفقات فاسدة لاختيار المحافظين وإقالتهم واختيار رؤساء مجالس المحافظات وإقالتهم فضلاً عن مدراء الدوائر، كل هذا بينما لم تكن ظاهرة الانتخابات مألوفة على المجتمع العراقي لكي ينتخب بطريقة موضوعية بعيداً عن التأثير المذهبي والقومي والديني والعشائري، لهذا لم تفرز المجالس تجارب ناجحة يمكن الاعتداد بها ومحاججة المجتمع العراقي بنجاحها لإثبات أهميتها.

خلافات كبيرة
وشهدت غالبية المحافظات العراقية خلافات كبيرة داخل مجالس المحافظات لاسيما بالعاصمة بغداد، بعد إحالة المحافظ السابق عبد المطلب العلوي الى التقاعد، واختيار عطوان العطواني بدلاً منه.
وبدأت القصة بتصويت مجلس المحافظ بتصويت سابق على إقالة العلوي في 3 تموز 2025، أعقبته مباشرة جلسة لانتخاب حيدر موحان الفياض محافظًا جديدًا . وعاد مجلس محافظة بغداد يوم 20 تموز 2025 ليصوت على قرار إحالة المحافظ عبد المطلب العلوي إلى التقاعد، مستندًا إلى بلوغه السن القانونية، وفق ما ورد بصيغة الأمر الموحد للتقاعد.
جاء الرد القضائي سريعًا، حيث صادقت محكمة القضاء الإداري في 23 شباط 2025 على قرار التقاعد، ملغية الأمر الولائي بجعل العلوي في منصبه، بعد توقف مؤقت للقرار من قبل المحكمة. رفض العلوي قرار الإحالة ووصفه بأنه "يفتقر إلى الشرعية القانونية"، مستندًا إلى تجاوز المجلس للإجراءات النظامية، إذ لم يُدرج النقاش ضمن جدول الأعمال، ما اعتبره مخالفة للدستور الداخلي لمجلس المحافظة، كما أعلن عزمه اللجوء إلى القنوات القانونية للطعن.
ليصوت مجلس محافظة بغداد، بالإجماع الأحد 27 تموز 2025، على انتخاب عطوان العطواني محافظاً جديداً لبغداد.
وصادق رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد، على إحالة محافظ بغداد عبد المطلب العلوي الى التقاعد.
وتعتبر هذه هي المرة الثانية التي يُحال فيها العلوي الى التقاعد بعد أن سبق للمجلس أن صوت على إقالته في 3 تموز الجاري، وانتخب حينها حيدر موحان محافظاً جديداً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

مقالات ذات صلة

لا حسم في

لا حسم في "الإطار": الملف البرتقالي يخرج بلا مرشحين ولا إشارات للدخان الأبيض

بغداد/ تميم الحسن أصبح "الإطار التنسيقي" يبطئ خطواته في مسار تشكيل الحكومة المقبلة، بانتظار ما يوصف بـ"الضوء الأخضر" من واشنطن، وفق بعض التقديرات. وفي المقابل، بدأت أسماء المرشحين للمنصب الأهم في البلاد تخرج من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram