محمود النمر "الشعر دون سواه من الأجناس الأدبية،هو القادر على بلوغ الوجود الأصيل". هايدغرالشعر هو محنة تستفز الشاعر نحو التوثب إلى ما هو غير مألوف او غير مكتشف ،لذلك ترى الشاعر مستنفراً في كل حين ،حتى وان تراه هادئا ًفي طريقه،لكنه في مجساته وإحساساته المرهفة جداً مولع بالتقصي والبحث من دون قصدية إلى ذلك ، هو يتوجس حتى لو يرى عموداً من دخان او صيحة عابرة او ضحكة تصدر من حنجرة تشبه عنق البوق .
في ما مضى لم اعرف ان رعد شاكر السامرائي شاعر،ولكنه فاجأني بمجموعته " شجر اليقين " لما يمتلكه من لغة وخيال وانزياحات نحو عالم من الهواجس وعند قراءتي الأولى للديوان اكتشفت أني أمام إنسان واقف في مرتكز الرؤى يحصد رؤياه من تلك الموضوعات الصادمة التي لا تحقق غير الدهشة.هواجسنا / قبلنا تستفيق / لتسحلنا عنوة / لمرايا الصباح /، الهواجس هي الخطوة الأولى إلى الشك الذي يقودنا بدوره إلى عالم اليقين ،لذلك نرى رعد شاكر يعلن عن "شجرة اليقين "إلى وضعها عنوانا لمجموعته معرّفة بمثل أفريقي ( يتساقط المطر على النمر ..ولكن البقع لا تزول ) وهي مقولة ذات معنى استدلالي على ان الحقائق تبقى كما هي بالرغم من ان المطر يغسل أدران الموبقات التي تستهدف الإنسان والطبيعة .الشاعر هو المعني بتلك الإسقاطات اللغوية، فهي تشكل عالمه المزدحم – بالخيال – والإيحاءات - واللغة - والفكر ، وكل هذه المؤثرات تمثل التشكلات وتملي عليه الكتابة وربما تصل الكتابة به إلى حافة اللاوعي في بعض الإيماضات ة،هذه تكون في غاية الروعة او هي تحليق في فضاءات يصلها الشاعر فقط ،فهي ملموسة غير مادية او ميتافيزيقية لا يقصدها هو، ولكنها تحقق شيئا من ذاته المتشكلة من المحتفزات / في ذروة القحط / الآباء محبطون / لاكهم خريف الألم / ولفظهم .. على رصيف نهر عاطل / فالتصقوا بأرائك المقاهي / يرطبون سباب شفاههم .. بأقداح الشاي / يجففون نزف صدورهم ..بالدخان / ويرفون شروخ فحولتهم .بالأكاذيب / فتحطم الأمهات مسلة ذكورتهم / ويكفـّن بالأسمال ظلال الأنوثة .رعد شاكر يدور في دوامة من التقصي والاستبيان نحو الجريمة المتخفية التي تلبس ثوب البراءة لتقنع الآخرين براءتها من قتل الورود او من فعل الجريمة المكتسب بالعدوى الفاشية واللصوصية / حين يتلفع المجرم المقتدر بخطاياه / متفاخراً بها / أمام السادة / ويصرون على تبرئته /كون جيوبه تصدر رنينا / يسيل لعابهم له.ثم يتهكم من تلك العادات والتقاليد البالية التي مازالت تحكم قبضتها علينا ،وتيثر الخوف في حياتنا ،يفضح الشاعر هؤلاء المزيفين الذين يخبّئون رغباتهم القبيحة تحت أقنعتهم المزيفة فيقول / حين يلصق ،فرسان القبيلة الزناة /حرف السين بذيل الحب / حالما يظفرون به تحت قمصان بناتهم /مختبئاً .. يختضّ رعباً.وفي قصيدة – فوقي – يعلو صراخ الشاعر رعد شاكر السامرائي عالياً، يريد أن يسمعه الآخرون / ومن ريشها تتصاعد رائحة مرة ودخان /وفوق ثيابي – بقايا الفراشات – طوّحها العصف ُ : أجنحة هشمت ْ – والزهور – ن.. ث .. . ا ... ر ... بعدها ..لست أعلم إن كنتُ مت ّ؟ ! ومن كان يحثو عليّ التراب – ويطمرني بالغبار ؟! – ولكنني واثق ٌ: من سماع دويّ تلا وسقوط جدار . عن اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين في ميسان ،صدرت هذه المجموعة ،وهذه السلسة من الإصدارات الثقافية ،هي مشروع تبنّاه اتحاد الأدباء مع مجموعة من المانحين أفراداً ومؤسسات ، بهدف نشر النتاج الثقافي لأدباء وكتاب ميسان من الذين بقيت مؤلفاتهم رهينة الأدراج لضيق ذات اليد ولقصور دور ومؤسسات الدولة المعنية بطبع ونشر الكتاب الثقافي. تلا وسقوط الجدار .
مراجعات ..شجر اليقين.. الفراشات ُطوّحها العصف
نشر في: 11 مارس, 2011: 07:07 م