TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > شباب الدليفري في المثنى.. بين مطاردة الرزق ومخاطر الشوارع

شباب الدليفري في المثنى.. بين مطاردة الرزق ومخاطر الشوارع

نشر في: 27 أغسطس, 2025: 12:19 ص

المثنى / كريم ستار

كل صباح، ينطلق محمد فاضل (25 عاماً) من منزله في السماوة على دراجته النارية، التي تحولت إلى وسيلته الوحيدة لكسب الرزق. يعمل في خدمة التوصيل السريع «الدليفري»، وهي مهنة انتشرت في المثنى خلال السنوات الأخيرة، لكنها كما يصفها «سباق مع الموت، محفوف بالمخاطر والمضايقات، ولا يدر سوى القليل من المال».

محمد، وهو خريج كلية العلوم الإنسانية عام 2021، لم يجد وظيفة حكومية فاتجه للعمل مع أحد المطاعم. يعمل أكثر من 12 ساعة يومياً حتى منتصف الليل، مقابل أجر يتراوح بين 20 و25 ألف دينار. يقول إن دخله بالكاد يغطي مصروف هاتفه وصيانة دراجته، فيما يغيب الربح الحقيقي.
بعد عام 2003 بدأت مهنة التوصيل تنتشر تدريجياً في العراق، لكنها برزت بشكل أوضح في المثنى مع تزايد المطاعم والمتاجر الإلكترونية. ومع انعدام فرص التوظيف، باتت خياراً واسع الانتشار بين الشباب العاطلين.
كرار جاسم (28 عاماً) يوضح أن المهنة «لا تفرق بين خريج جامعي أو عامل بسيط»، لكن الخطر يرافق العاملين باستمرار، سواء من حوادث السير أو مضايقات السائقين والشرطة. ويشير إلى أن الكثير من الدراجات دخلت المحافظة عبر السوق السوداء من دون ترقيم، فيما تبلغ كلفة الترقيم نحو 400 ألف دينار، وهو مبلغ يعجز عنه أغلب العاملين، ما يجعلهم عرضة للمحاسبة والحجز.

مخاطر ونصب واستغلال
أحمد قاسم (30 عاماً) يؤكد أن المخاطر لا تقتصر على المرور، إذ يتعرض العاملون أحياناً لعمليات نصب من قبل الزبائن. ويستذكر حادثة فقد فيها دراجته بعد أن اعترضه شبان وسلبوه، قائلاً إنه نجا من الموت لكنه خسر مصدر رزقه الوحيد، ولم يجد سوى أصدقائه لمساعدته في شراء دراجة مستعملة.
أصحاب شركات التوصيل يشكون من تضييق أمني مستمر. يقول عباس مهدي (اسم مستعار)، صاحب شركة صغيرة في السماوة، إن لديهم أكثر من 30 دراجة غير مرقمة بسبب الكلفة وضيق الوقت، ما يجعل عمالهم عرضة لإجراءات المرور. ويشير إلى أن أجور العمال ضعيفة جداً، ولا تكفي لتغطية مصاريفهم اليومية، في وقت لا توجد حلول حكومية لدعمهم.
أسامة، وهو طالب جامعي يعمل في الدليفري، يروي أنه اضطر لمناشدة الناس عبر فيسبوك ليستعيد دراجته بعد مصادرتها من قبل الشرطة، مؤكداً أن مستقبل العاملين في هذا المجال مهدد في أي لحظة.
من الناحية الصحية، يعمل هؤلاء الشباب لساعات طويلة في ظروف مناخية قاسية، دون تأمين أو تعويض. ويقول أحدهم: «نُعامل كأننا آلات، المهم أن تصل الطلبية بسرعة، أما صحتنا وحياتنا فلا تعني أحداً».

غياب التنظيم والحلول
يرى الباحث الاجتماعي حيدر الجابري أن انتشار الدليفري يعكس الأزمة الاقتصادية، مشيراً إلى أن المشكلة لا تكمن في المهنة بحد ذاتها، بل في غياب التنظيم والرقابة. ويدعو إلى تشريع قوانين تحمي العمال، وتضمن أجوراً عادلة، وتلزم الشركات بتوفير التأمين الصحي ووسائل السلامة.
ويؤكد أن «الدليفري أصبح جزءاً من الحياة اليومية للمجتمع، لكن استمرار المخاطر والاستغلال سيقود إلى مزيد من القصص المأساوية».
في نهاية يومه الطويل، يعود محمد فاضل مرهقاً بعد عشر ساعات من قيادة الدراجة في شوارع السماوة. يقول بابتسامة متعبة: «أحمد الله أنني عدت سالماً، لكن لا أعلم ماذا يخبئ الغد. كل ما نتمناه أن نجد من يسمع صوتنا، فنحن نعمل بشرف، ولا نطلب سوى لقمة عيش آمنة تحفظ كرامتنا».
ومع استمرار انتشار خدمة الدليفري في المثنى، تبقى معاناة العاملين شاهداً على واقع اقتصادي واجتماعي ضاغط يعيشه شباب المحافظة، الذين يخوضون سباقاً يومياً بين البحث عن الرزق ومواجهة الخطر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

مقالات ذات صلة

لا حسم في

لا حسم في "الإطار": الملف البرتقالي يخرج بلا مرشحين ولا إشارات للدخان الأبيض

بغداد/ تميم الحسن أصبح "الإطار التنسيقي" يبطئ خطواته في مسار تشكيل الحكومة المقبلة، بانتظار ما يوصف بـ"الضوء الأخضر" من واشنطن، وفق بعض التقديرات. وفي المقابل، بدأت أسماء المرشحين للمنصب الأهم في البلاد تخرج من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram