TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ماذا يعني أن تكون كوردياً؟!

ماذا يعني أن تكون كوردياً؟!

نشر في: 27 أغسطس, 2025: 12:31 ص

د.خالدة خليل

أن تكون كوردياً، هو أن تولد وفي دمك نغمة حزنٍ لا تنطفئ، وفي قلبك جرحٌ أبديّ يرفض أن يندمل. يعني أن تفتح عينيك على جغرافيا خائنة مزّقت جسد أمتك بين حدودٍ مصطنعة، وسياسةٍ اعتادت ان تجعل حقك في تقرير المصير قضية مؤجلة على الدوام، وتاريخٍ أعمى لم ينصف تضحياتك على القمم الشاهقة التي يحمل كل حجر فيها قصة مناضل صلب، والوديان الصابرة التي حفظت صمودهم.
أن تكون كوردياً، هو أن ترث من آبائك وأجدادك ليس الحكايات فقط، بل رماد البيوت المحروقة، والقرى المهجرة، ومرارة المنافي، وندوب الأرواح.
هو أن تحمل في صدرك ذاكرة أمةٍ بأكملها، أمة كُتِب عليها أن تعيش الإغتراب فوق أرضها، لأن الخرائط لم تعترف بوجودها بعد، فتظلّ تبحث في عيون العالم عن وطنٍ لا يُرسم بالحبر، بل يُخطّ بالدمع والدم.
أن تكون كوردياً، يعني أن ترى الظلم وقد تحوّل إلى قرارٍ سياسي لإبادة شعبٍ، كل ذنبه أنه مختلف. وان تسمع في أذنك صرخات حلبجة كأجراسٍ لا تكفّ عن الأنين، وأن ترى ارواح الأنفال تعانق ليلك الطويل لتهمس في أذنك: "هنا سقطت الإنسانية في امتحانها العسير ".
هو أن تشهد الأرض بعينك وهي تنشق عن فاجعة اسمها سنجار، حيث سُبيت النساء في قوافل العار، وذُبح الرجال بدمٍ بارد، وتُرك الأطفال فريسةً للجوع والتيه، بينما كان العالم يساوم بالصمت ويبيع إنسانيته بأبخس الأثمان.
أن تكون كوردياً، هو أن تكون وحدك على درب الحقيقة، تعلم أن السماء شاهدة على مظلوميتك، فيما تصرّ السياسات على إنكارك.
أن تكون كوردياً، يعني أن تحارب الصمت، وتعلن أن الحياة أقوى من الموت، وأن تُعاند الليل لأنك تؤمن أن الفجر قادم لا محالة.
أن تكون كوردياً يعني أن تمشي مرفوع الرأس، تحمل صليب وجعك بثبات، وتدرك أن الحرية وإن غربت شمسها خلف غيوم المآسي، لا بد أن تشرق من جديد.
أن تكون كوردياً، هو أن تؤمن بأن الدم لا يورّث الخوف، بل يورّث الإصرار، وأنت تمسك بيدك اليمنى لافتة تاريخك المثقل بالمرارات، وبيدك اليسرى غصن زيتون، لتعلن للعالم: إننا كالعنقاء، أمة وُلدت من الرماد، لكنها لا تزال تحلم بالسلام، ولا تزال تصنع من الألم قصيدةً للحياة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram