ذي قار / حسين العامل
بالتزامن مع اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، دعت أسرة الناشط في الحركة الاحتجاجية سجاد العراقي وناشطون مدنيون إلى الكشف عن مصير المغيبين والمختطفين، وفيما عدوا عمليات التغييب التي تمارسها الميليشيات والأذرع المسلحة التابعة لجهات سياسية أخطر أسلوب قمعي لردع أصحاب الرأي، شددوا على ضرورة تفعيل ملف المغيبين دوليا.
وكانت الأمم المتحدة قد قررت اعتبار يوم 30 آب من كل عام يوما عالميا لضحايا الاختفاء القسري (التغييب) في جميع أنحاء العالم.
وقال الناشط في الحراك الاحتجاجي الدكتور محمد عفلوك للمدى إن “تغييب الناشطين السياسيين هو أحد أخطر أنواع القمع التي مورست كأسلوب ردع بحق أصحاب الرأي”، مبينا أن “جرائم التغييب تمارس كتغييب نهائي لا عودة بعده لدرجة يحتسب فيها ذوو الضحايا في حالة يأس من عودة المغيب، وبالتالي يحتسبون ضمن أعداد الأموات”.
وتحدث عفلوك عن عشرات المغيبين السياسيين في العراق جرى تغييب أعداد غير قليلة منهم منذ أكثر من عشر سنوات ولا زال مصيرهم مجهولا ولم يكشف عن الجناة المتورطين بالجريمة، مشيرا إلى أن “بعض أسر الضحايا لم تعلن عن اختطاف أبنائها أو تغييبهم خشية على حياتهم، وأنها في بعض الأحيان تفضل التفاوض سرا مع الجهات الخاطفة لدفع فدية مقابل الإفراج عنهم”.
ووجه الناشط الاحتجاجي الاتهام إلى ميليشيات تعمل كأذرع مسلحة لجهات سياسية بارتكاب جرائم الاختطاف والتغييب، مشددا على تفعيل ملف المغيبين دوليا لغرض التعجيل بالإفراج عن الضحايا والقصاص من المتورطين بجرائم التغييب.
وكشف عفلوك عن تبني عدد من المنظمات المحلية والدولية لملف ضحايا التغييب، مشيرا إلى “أنها تعمل منذ عدة سنوات باتجاه إنقاذ الضحايا لكن، للأسف، لم تحرز تقدما ملحوظا بهذا الاتجاه”.
وبدورها قالت والدة الناشط المدني المغيب سجاد العراقي إن “معاناتنا كأسرة أحد المغيبين فاقت عذابات الموت؛ فمن جهة نفكر بمصير ابننا المغيب منذ خمس سنين، ومن جهة أخرى نعاني من تسويف السلطة لقضايا المغيبين وتواطؤها مع مرتكبي جرائم التغييب”.
وتطرقت والدة سجاد العراقي، الذي يعد ابنها المغيب أحد ناشطي تظاهرات تشرين في الناصرية، إلى قسوة معاناتها اليومية بعد اختطاف وتغييب ولدها البكر، مشيرة إلى أنها كانت طيلة سنوات تغييبه تشارك زملاءه وأصدقاءه في تظاهرات وفعاليات تطالب بالكشف عن مصيره، معربة عن خشيتها من منعها هذا العام من تنظيم تظاهرة للمطالبة بالكشف عن مصير ولدها في الذكرى السنوية الخامسة لتغييبه التي تصادف يوم 19 أيلول.
وذكرت والدة سجاد أعمال الترويع التي حصلت لها وللمشاركين في خيمة الاعتصام التي أقامتها قبل عدة أشهر أمام ديوان المحافظة، إذ تعرض المعتصمون في الخيمة إلى إطلاق نار أمام أنظار حماية ديوان المحافظة من قبل أحد أقارب المدانين باختطاف سجاد.
وترى والدة سجاد أن هناك تواطؤا كبيرا بين الجهات الحكومية والمتورطين بتغييب ولدها منذ الساعات الأولى لارتكاب جريمة الاختطاف، مبينة أن “إجراءات التحقيق وتنفيذ الأحكام القضائية لم تكن بالجدية المطلوبة”، مشيرة إلى أن “الخاطفين والمتعاونين معهم معروفون وأماكن تواجدهم معلومة ولم يلق القبض عليهم حتى الآن رغم صدور أحكام غيابية بالإعدام بحقهم”.
وتطرقت والدة سجاد إلى ما يحصل من إجراءات لإعادة محاكمة المتورطين باختطاف ولدها، إذ تبلغت مؤخرا بنقل القضية من الناصرية إلى بغداد بتدخل محامين ومعارف المدانين، معربة عن خشيتها من تبرئة المدانين أو شمولهم بأحكام العفو العام كما حصل لغيرهم من المجرمين.
وخلصت والدة سجاد إلى القول: “نطالب بالكشف عن مصير سجاد وأن يرشدوني إلى قبره قبل أن توافيني المنية قهرا على ولدي”.
من جانبه يرى عباس العراقي شقيق الناشط المغيب سجاد العراقي أن “ملف المغيبين من أخطر الملفات التي لم تحظ بالاهتمام الحكومي المطلوب للكشف عن مصير المغيبين”. وأشار في حديث سابق للمدى إلى أنه “في محافظة ذي قار، على سبيل المثال، ناشطون مغيبون منذ 2018 و2020 من بينهم فرج البدري وسجاد العراقي ولم يكشف عن مصيرهم أو محاسبة المتورطين باختطافهم حتى الآن رغم معرفة الجهات المتورطة باختطافهم وتغييبهم وصدور مذكرات قبض وأحكام قضائية بحق بعض المدانين بتلك الجرائم”، مشددا على أهمية “الكشف عن مصير المغيبين وتشريع قانون لحماية المواطنين من مخاطر الاختطاف والتغييب وضمان حقوق الضحايا وأسرهم”.
وأعرب العراقي عن يأسه من مناشدة السلطات المحلية والمركزية حول مصير شقيقه، مشيرا إلى إطلاق العديد من المناشدات وإجراء سلسلة لقاءات مع المسؤولين في السلطات التنفيذية والقضائية والبرلمانية والأمنية والدينية والسياسية حول قضية شقيقه لكن كل ذلك لم يجد نفعا.
وكان ناشطون وأسر المغيبين العراقيين قد دعوا في يوم الثلاثاء (15 آب 2023) إلى استحداث مركز وطني للمغيبين وتشريع قانون للمختفين قسرا والكشف عن مصير المغيبين، وأوضحوا في بيان تابعته (المدى): “نحن ذوو المغيبين وعائلات ضحايا المختفين قسرا والمفقودين في العراق والمنظمات المدنية نقف اليوم وقفة تضامنية في بغداد والموصل والناصرية والنجف وكركوك لإحياء اليوم العالمي لضحايا التغييب القسري؛ من إخوتنا المختطفين والمفقودين في العراق”.
وكانت قيادة شرطة محافظة ذي قار قد كشفت يوم السبت (19 أيلول 2020) عن اختطاف الناشط في مجال تظاهرات الناصرية سجاد العراقي وإصابة زميله باسم فليح بجروح على يد مسلحين مجهولين يستقلون سيارتين رباعيتي الدفع.
وأصدرت محكمة جنايات ذي قار في (16 آذار 2023)، وبعد نحو عامين ونصف من المداولات والنظر في قضية سجاد العراقي، حكما غيابيا بالإعدام على المدانين بجريمة اختطافه وهما كل من دريس كردي حمدان وأحمد محمد عبود عبد الله.
وينص كل من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي دخل حيز التنفيذ في 1 تموز 2002، والاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، التي اعتمدتها الجمعية العامة في 20 تشرين الثاني 2006، على أن “الاختفاء القسري” يوصف بجريمة ضد الإنسانية عندما يرتكب ضمن هجوم واسع النطاق أو منهجي على أية مجموعة من السكان المدنيين، ولا يخضع بالتالي لقانون التقادم. وفضلا عن ذلك، فإن لأسر الضحايا الحق في طلب التعويض، والمطالبة بمعرفة الحقيقة فيما يتصل باختفاء أحبائهم.










