السليمانية / سوزان طاهر
يواجه إقليم كردستان أزمة مياه حادة ناجمة عن انخفاض الأمطار، ونقص الإطلاقات المائية من دول المنبع، وتزايد الاستهلاك، ما أدى إلى ضعف وصول المياه إلى المواطنين الذين اضطروا لشراء المياه من صهاريج.
تفاقمت الأزمة بسبب عدم كفاية خطط التوزيع، وارتفاع نسبة هدر المياه، مما دفع الجهات المعنية إلى توجيه تحذيرات للمواطنين لترشيد الاستهلاك وتكثيف جهود التوعية.
وتعيش محافظة السليمانية (نحو 371 كلم شمال بغداد) الصيف الحالي واحدة من أشد أزماتها المائية منذ عقود، في ظل تداخل عوامل مناخية وإقليمية وإدارية أدت إلى تفاقم شح المياه، في وقت تراجعت فيه معدلات الأمطار وجفت عشرات الينابيع والآبار، حيث ساهمت إجراءات دول المنبع في خفض تدفق الأنهار المغذية للمحافظة بنسبة تفوق 60 بالمئة، إضافة إلى عوامل أخرى فاقمت العطش كالمجمعات السكنية الجديدة، إذ حذر مختصون من تصاعد الأزمة ما لم تعتمد خطط طوارئ عاجلة، تُعزز التفاهمات الإقليمية، وإنجاز المشاريع المائية الحيوية.
تركيا وإيران ونقص الأمطار
وفي هذا الصدد يقول الخبير في الشأن مريوان محمد مصطفى إن الإقليم يتعرض لأزمة جفاف غير مسبوقة، وقد تستمر حتى الصيف المقبل، إذا لم تهطل الأمطار بكميات كبيرة.
ولفت خلال حديثه لـ(المدى) إلى أن «تركيا لم تطلق كميات كبيرة من الماء حسب ما أشيع، كما أن إيران قللت حصة العراق المائية، وبنت عدة سدود على أنهار مشتركة مع العراق، من بينها نهر الزاب، ونهر سيروان».
وأضاف أن «الجفاف الذي يضرب الإقليم وصل إلى مستوى خطير، وإذا لم تهطل الأمطار بكميات كبيرة خلال الشتاء المقبل، فنحن أمام كارثة كبيرة تؤثر على مستوى مياه الشرب خلال الصيف المقبل».
وقبل خمس سنوات من الآن، كان نهر قلياسان، أحد روافد الزاب الصغير، يلفظ أنفاسه الصيفية الأخيرة، إذْ بدأت مياهُه بالانحسار شيئاً فشيئاً، حتى بات لا يختلف عن ضفافه في الصيف، وينتظر، كأغلب مزارعي العراق، أن يأتي فصل الشتاء بغيوم غزيرة تروي السليمانية، المدينة التي يمرّ بها.
وخلال العقود الأربعة الماضية، أنشأت إيران أكثر من 20 مشروعاً مائياً على أنهار مشتركة مع العراق، كالزاب الصغير، وسيروان، وجفّفت بعض الأنهار مثل كنغير وكنجان جم بالكامل، وجميعها تمر بمحافظة السليمانية، وقطعت حوالي 45 نهراً ورافداً يصب في العراق عام 2011، وتحدّث حينها مسؤولون عن نية إيران قطع جميع المجاري المائية التي تتّجه إلى الأراضي العراقية.
أما تركيا، التي تنبع من أراضيها النسبة الأكبر من مياه العراق، فقد خفّضت 40 بالمئة من التدفق المائي للعراق، بسبب مشروعها GAP الذي يهدف إلى الريّ وتوليد الطاقة، ويشمل 22 سداً، أبرزها سد إليسو الذي شُيِّد على نهر دجلة، ويتسبب في نقص كبير في تدفقات نهر دجلة الذاهب إلى العراق والذي يمرّ بالإقليم، إضافةً إلى 19 محطة طاقة.
شحّت الأمطار فبدت جبال كردستان أقلّ خضرةً صيف هذا العام، وساعد على ذلك التراجع الحاد في معدلات هطول الأمطار، وهو الأسوأ منذ عقدين، إذْ سجل الشتاء الأخير هطول 220 ملم فقط، بينما سجلت السنوات السابقة هطول 600 ملم، أي أقل بـ63 بالمئة من المعدل القياسي الموسمي، ما أدى إلى فشل الزراعة الشتوية وتقليص الزراعة الصيفية.
تعويض النقص في السدود
من جهة أخرى يعزو عضو برلمان كردستان أزمة الماء إلى عدة عوامل، أهمها عدم إطلاق حصة العراق من الماء من قبل تركيا وإيران.
وأوضح في حديثه لـ(المدى) أن «الأمطار التي سقطت على مدن كردستان خلال الشتاء والربيع الماضي، كانت هي الأقل في العقد الأخير، ولهذا نأمل أن تكون الكميات كبيرة، تعوض النقص الحاصل في سدود الإقليم، ومنها دربندخان ودوكان، ودهوك، التي انخفض الاحتياطي فيها إلى أدنى مستوى».
وذكر أن «الأزمة في مدن الإقليم كانت كل صيف وفي شهري تموز وآب، وبعدها يعود تجهيز الماء لوضعه الطبيعي، لكن خلال العام الحالي، فإن الأزمة ستستمر، بسبب الخوف من التجاوز بشكل أكبر على احتياطي السدود، وانتظار موسم الأمطار».
ويمر سكان مدينة السليمانية بأزمة مياه شديدة، إذ يحصلون على الماء مرة واحدة فقط كل أربعة أو خمسة أيام، ولمدة ساعة واحدة فقط، وهي لا تكفي حاجاتهم، فيما تظهر علامات الجفاف من خلال انخفاض منسوب بحيرة دوكان الضخمة التي أُنشئت في خمسينيات القرن العشرين، حيث تنحسر البحيرة لتكشف عن تشققات في جزء من قاعها الذي كانت تغطيه المياه بالكامل قبل عام واحد فقط.
ضرب جفاف غير مسبوق منطقة شاربازير بمحافظة السليمانية، متسبباً في أضرار جسيمة لقطاعات الزراعة والثروة الحيوانية والطبيعة في المنطقة.
تحذير من حكومة السليمانية
وأصدرت مديرية مياه السليمانية تحذيراً للمواطنين بعدم هدر المياه وعدم غسل السيارات أمام أبواب المنازل، مشددة على أن أي مخالفة ستُعرض صاحبها لغرامة مالية تصل إلى 50 ألف دينار.
ويأتي هذا التحذير في ظل تزايد أزمة نقص المياه في مدينة السليمانية نتيجة لانخفاض معدلات الأمطار وتراجع منسوب المياه في الأنهار والجداول المحلية، ما أدى إلى انقطاع المياه عن العديد من المناطق، وإغلاق أبواب بعض المساجد بسبب هذه الأزمة.
في سياق متصل يشير الأكاديمي المختص في كلية الزراعة بجامعة حلبجة علاء نجم الدين إلى أن المؤشرات الحالية للأنواء الجوية تؤكد احتمالية سقوط مبكر للأمطار في بداية فصل الخريف.
وبيّن في حديثه لـ(المدى) أنه «يجب تشكيل مجلس أعلى لإدارة المياه، وإعداد الخطة الزراعية في الإقليم وفقاً للاحتياطي المائي، لأن هناك تجاوزاً، وعدم تقدير من قبل المزارعين، وهذا ما يزيد من الأزمة».
وأردف أن «إذا سقطت الأمطار خلال النصف الثاني من أيلول، فإنه يمكن تجاوز الأزمة، ولكن إذا تأخرت كما حصل العام الماضي، فنحن أمام كارثة كبيرة».
جفاف غير مسبوق في كردستان.. الأعين تترقب سقوط الأمطار الخريفية

نشر في: 2 سبتمبر, 2025: 01:22 ص









