بغداد – تبارك عبد المجيد
تواجه أهوار ميسان، وتحديدًا هور الحويزة، كارثة متجددة مع اندلاع حرائق واسعة أتت على مساحات من القصب وألحقت أضرارًا جسيمة بالبيئة والحياة البرية. الأهالي الذين يعيشون على ما تجود به الأهوار من صيد الأسماك وتربية الجاموس وجدوا أنفسهم أمام خطر فقدان مصادر رزقهم، فيما حمَّل بعضهم الشركات النفطية والحكومة مسؤولية تفاقم الأزمة.
وأبدى مواطنون من قضاء الكحلاء قلقهم من الحرائق التي تشهدها مناطق هور الحويزة، محملين الشركات النفطية مسؤولية ما يحدث من تدمير للبيئة ومصادر رزق الأهالي.
وقال المواطن رسول نوري، وهو صياد في الأهوار، لـ«المدى» إن موسم الصيف الحالي يُعد الأصعب بالنسبة لسكان الأهوار، مبينًا أن جفاف المياه وغياب الأمطار جعلا النباتات أكثر عرضة للاحتراق، وأن أي بقايا من الأعشاب اليابسة تصبح خطرًا على مواشي السكان، «لأنها إذا أُكلت تكون مُرَّة وتؤدي إلى نفوق الحيوانات».
وأضاف نوري أن ما يجري في الأهوار ليس صدفة، بل نتيجة «مخططات تستهدف الأرض من أجل التمهيد لدخول آليات الشركات النفطية»، مشيرًا إلى أن هذه الشركات «لم تقدم أي منفعة حقيقية للأهالي منذ بدء عملها في المنطقة عام 2008 وحتى اليوم»، فلا فرص عمل وفرتها، ولا مساعدات قدمتها، على حد قوله.
وبيَّن أن حياة السكان مرتبطة مباشرة بالهور وما يوفره من موارد طبيعية، مثل صيد الأسماك والطيور والحليب المستخرج من الجاموس. وأكد أن استمرار الجفاف والحرائق جعل مئات العائلات تفقد مصدر رزقها، قائلًا: «نحن أفلسنا بسبب الشركات النفطية، بينما أطفالنا بحاجة إلى الغذاء والحليب».
وتابع نوري أن سياسات الحكومة تجاه الأرياف تزيد من معاناة السكان، منتقدًا مقترحات بعض المسؤولين بشأن تقليل شراء محاصيل الحنطة من المزارعين أو فرض قيود على صيد الأسماك، واصفًا ذلك بأنه «جريمة بحق المواطن الريفي» الذي لا يملك بديلًا للعيش.
وطالب نوري الحكومة المركزية بإيقاف سياسات الإفقار وحماية سكان القرى الذين يقدر عددهم بأكثر من 50 قرية في محيط الأهوار، مؤكدًا أن الاستمرار في تجاهل معاناتهم يهدد مستقبل المنطقة بأكملها.
وكشف الناشط البيئي مرتضى الجنوبي عن تفاصيل خطيرة تتعلق بالحرائق التي اندلعت في أواخر شهر تموز داخل هور الحويزة بمحافظة ميسان، مؤكدًا أن جزءًا منها كان بفعل بشري وليس طبيعيًا.
وقال الجنوبي لـ«المدى» إن الحرائق اندلعت لأكثر من ثلاثة أيام بشكل متواصل، موضحًا أن «قسم الهندسة في قيادة حرس الحدود قام بإشعال النار في غابات القصب قرب منطقة العظام داخل الهور، من أجل إنشاء سد ترابي». وأضاف أن طبيعة الهور، التي تشبه الغابات الكثيفة بالقصب، أعاقت حركة الآليات، ما دفع الجهة المنفذة إلى اللجوء للحرق لتفريغ المساحات بدلًا من جلب التراب من خارج المنطقة.
وأشار إلى أن هذه الخطوة أدت إلى انتشار النيران بشكل غير مسيطر عليه، والتهمت مساحات واسعة من القصب، محدثة أضرارًا جسيمة على الحياة البرية والطيور المقيمة في الهور.
وأكد الجنوبي أن الأدلة على ذلك منشورة في صور رسمية أصدرتها قيادة حرس الحدود نفسها، والتي أظهرت بوضوح ألسنة اللهب والدخان الكثيف.
ووصف الناشط ما حدث بأنه «كارثة بيئية تهدد هوية الأهوار ومستقبلها»، محذرًا من أن استمرار مثل هذه الممارسات سيؤدي إلى خسائر لا تعوَّض في واحدة من أهم البيئات الطبيعية في العراق والعالم.
وحذر قائمقام قضاء الكحلاء، علي شبوط، من خطورة استمرار حرائق هور الحويزة، مؤكدًا أنها تمثل «كارثة بيئية وصحية» تهدد حياة المواطنين والثروات الطبيعية في المنطقة. وأوضح شبوط لـ«المدى» أن الحرائق تسببت في تلوث واسع وانتشار كثيف للدخان في سماء المحافظة، ولا سيما في قضاء الكحلاء والمناطق القريبة من الأهوار، الأمر الذي أدى إلى تسجيل عشرات حالات الاختناق ونقلها إلى المستشفيات، خصوصًا بين المصابين بأمراض الجهاز التنفسي والربو. وأضاف أن استمرار التعرض لهذه الأدخنة قد يتسبب بـ«أمراض سرطانية على المدى البعيد» للسكان القاطنين بالقرب من الأهوار.
وأشار إلى أن السيطرة على النيران تواجه صعوبات كبيرة نتيجة اتساع مساحة الأهوار وجفافها من المياه، مبينًا أن «مساحات واسعة جدًا ما زالت مشتعلة، ولا تتوفر لدى المحافظة أو الوحدات الإدارية الإمكانيات الكافية للسيطرة عليها».
ودعا شبوط الحكومة المركزية ووزارة الموارد المائية إلى زيادة الإطلاقات المائية في الأهوار لتجنب تكرار مثل هذه الكوارث، إضافة إلى ضرورة تحرك وزارة البيئة بشكل عاجل لوضع حلول ومعالجات جذرية، حفاظًا على حياة المواطنين وعلى الثروات الطبيعية التي تشتهر بها الأهوار.










