ثائر صالح
الجزء التاسع / الأخير
كنيسة مار توما في لايبسِج
عمل باخ في لايبسِج مدة 27 سنة وكان مسؤولاً عن الموسيقى الدينية في أربع كنائس وعن إدارة مدرسة موسيقى كنيسة مار توما، أكبر وأهم الكنائس التي عمل فيها. تعود أصول الكنيسة إلى دير رهبنة تأسس في 1212، وجرى بناؤها بشكل متواصل حتى القرن الخامس عشر. وتحولت المدينة لاحقاً إلى المذهب البروتستانتي فجرى حل الرهبنة.
وعدا نشاط باخ في هذه الكنيسة، فإنها شهدت الكثير من الأحداث، منها زيارة موتسارت وعزفه على أورغنها سنة 1789. وحوّل نابليون الكنيسة إلى مخزن للذخيرة بعد احتلال لايبسِج سنة 1806، وحولت في 1813 - 1814 أثناء معركة الأمم التي وقعت بالقرب من لايبسِج إلى مستشفى عسكري. و بعد انطلاق حركة إحياء موسيقى باخ على يد مندلسون في 1829 في برلين، قدم مندلسون في كنيسة توما لاحقاً آلام المسيح حسب متى سنة 1841، وشهدت تدشين أول نصب تذكاري لباخ سنة 1843. جرى تجديد الكنيسة بين 1884 - 1889 على الطراز القوطي الحديث، وهو ما نراه اليوم. ثم هدمت مدرسة مار توما المجاورة في 1902، ورفع تمثال باخ الشهير في ساحتها سنة 1908. وقد تضرر البرج خلال الحرب العالمية الثانية وجرى تصليحه. وقد نقل رفات باخ من كنيسة مار يوحنا التي تدمرت في الحرب الثانية إلى كنيسة مار توما وأعيد دفنه سنة 1950 فيها عند المذبح.
تشتهر الكنيسة بكورس الأولاد الذي تأسس مع تأسيس الدير في 1212، ويجري منذ ذلك الحين تعيين منشد ومدير الموسيقى من بين مهامّه تدريب الكورس وقيادته وإدارة الحياة الموسيقية في الكنيسة. تعاقب على المنصب 35 من الموسيقيين بينهم باخ، بعضهم حصل على شهرة مثل المؤلف يوهان هرمان شاين (1586 - 1657) وسلف باخ عازف الأورغن يوهان كوناو (1660 - 1722)، ومؤخرا شغل العالم الموسيقولوجي هانس - يواخيم روتش المنصب بين 1972 - 1991، وكان من الباحثين البارزين في موسيقى باخ. المنشد الحالي منذ 2021 أندرياس رايسه من سويسرا هو أول كاثوليكي يحصل على المنصب منذ التحول إلى البروتستانتية في القرن السادس عشر. نرى اليوم بورتريهات المنشدين الزيتية معلقة على الجدارين المطلين على قبر باخ.
وقد تغيرت أداة الأورغن في الكنيسة عدة مرات، وصنع أورغن جديد في سنة 2000 بمظهر يشبه أورغن يوهان شايبه الذي لا يزال محفوظاً يعرض في متحف باخ المجاور للكنيسة، كما تعرض الكنيسة في غرفة منفصلة عدداً من الأدوات الموسيقية التي كانت مستعملة في زمن باخ.
الاستماع إلى الموسيقى في هذه الكنيسة متعة خاصة، فقد كتب باخ أعماله لتلائم المزايا الصوتية لفضاء الكنيسة الداخلي، وكان يفحص الصدى في الكنائس قبل أن يعزف فيها على الأورغن عادة. وقد تمتع بالمزايا الصوتية الجميلة لكنيسة مار توما خلال الأمسية التي قدمتها فرقة أكاديمية باخ من آيس (بروفانس - فرنسا) خلال مهرجان باخ سواء عند غناء الكورس أو أثناء عزف الأورغن الصغير على الشرفة.
موسيقى الاحد: سياحة موسيقية في ألمانيا

نشر في: 7 سبتمبر, 2025: 12:01 ص









