متابعة المدى
في جلسة حضرها جمعٌ من النقاد والفنانين، إحتفى بيت المدى للثقافة والفنون يوم الجمعة الماضية، بالذكرى المئوية لميلاد المخرج والمترجم والممثل جاسم العبودي، أحد أهم أعلام الحركة المسرحية، وراعي الواقعية والملحمية في العراق، تحدث فيها المشاركون عن الدور الريادي للراحل في تأسيس المسرح العراقي الحديث.
إفتتح مقدم الجلسة الناقد والفنان سعد عزيز عبد الصاحب بالقول:
"مثلما تحتفل ألمانيا بالذكرى المئوية لميلاد غوته وبريخت، وتحتفل روسيا بميلاد تشيخوف، نحتفل نحن اليوم بالذكرى المئوية للمخرج والمترجم والممثل جاسم العبودي بميلاد رائد الواقعية بالمسرح العراقي، مخرجا وممثلا و مترجما الفنان الرائد جاسم العبودي".
في تقديمه للسيرة الذاتية للراحل العبودي والممتدة لأكثر من أربعة عقود قال عبد الصاحب: "ولد الراحل جاسم العبودي في مدينة الشطرة عام 1925، درس في معهد الفنون الجميلة في بغداد، وتخرج منه عام 1947، حصل على بعثة دراسية الى اميركا عام 1948، ونال فيها درجة الماجستير في الأخراج المسرحي عام 1953، أسس في العام 1954 فرقة المسرح الحر، فكان رئيسها ومديرها الفني حتى العام 1973".
وأضاف عبد الصاحب: "ومن بين أهم الأعمال المسرحية التي أخرجها العبودي "كلهم اولادي" لآرثر ميلر، و"البخيل" لموليير، و"عطيل" لشكسبير، و"العادلون" لألبير كامو، و"حفلة سمر من اجل 5 حزيران" لسعد الله ونوس، و"الكاع" لعادل كاظم، وغيرها من الأعمال".
وعن محطات سيرته الأخرى أضاف عبد الصاحب: "عُين العبودي مدرسا في معهد الفنون الجميلة، ثم في أكاديمية الفنون الجميلة، عمل محاضرا للأدب الإنكليزي في كلية التربية، انضم الى فرقة المسرح الفني الحديث واخرج مسرحيات "تأمر بيك" و"ماكو شغل" ليوسف العاني، و"الحقيقة ماتت" لعمانوئيل روبلس، وتم لاحقا تعيينه عميدا لكلية الفنون الجميلة، ثم معاونا للملحق الثقافي العراقي في واشنطن، أسس مع زميله الراحل إبراهيم جلال معهد بغداد التجريبي، وقد أنتج هذا المعهد مسرحية "المسيح يصلب من جديد" للراحل عوني كرومي .. وفي العام 1979 عاد للمهجر الأميركي وعاش هناك حتى وفاته في العام 1989".
أول المتحدثين الأكاديمي والمخرج عقيل مهدي الذي إستعرض جوانب من علاقته ومعرفته وعمله مع الراحل قائلا:
- "كان للراحل جاسم العبودي دورا كبيرا في مسيرتي، فهو الذي عرفني بالكثير من الرموز الفكرية الفرنسية، ودعمني ورشحني للعمل في الفرقة القومية التي كان يديرها الفنان الراحل طعمة التميمي، وقد أسند لي دور "ياغو" في مسرحية عطيل، ثم في مسرحية "الدراويش يبحثون عن الحقيقة" لمصطفى الحلاج حيث أسند لي دور القاضي."
أعقبه الفنان صباح المندلاوي الذي شكر "المدى" على منهجها ودورها في إستذكار الرموز العراقية، ومنهم الرائد المسرحي جاسم العبودي، وأضاف: "عرف عن الفنان العبودي إلتزامه بمنهج ستانسلافسكي، كما كان معروفا بدعاباته الساخرة، فعندما كنا طلابا في أكاديمية الفنون الجميلة عام 1969 أخرج مسرحية "الطريق"، وإستعان بطلبة المرحلة الأولى والثانية، وكانت هذه فرصة لنا للتعرف على طريقة عمل المخرج العبودي مع الممثلين".
ثم تحدث المسرحي الدكتور حكمت داوود عن الراحل العبودي كمترجم، وأشار الى كتابين قام بترجمتهما وأصبحا بمثابة مراجع علمية تعلمنا منها الكثير، قائلا : "أخرج جاسم العبودي مسرحيات متعددة تبدأ من الواقعية البسيطة الى الواقعية التعليمية، وكان يتقاطع مع أغلب المخرجين في المسرح العراقي، بسبب توجهه الفكري".
اما الدكتور صالح الصحن فتحدث قائلا:
- "المشكلة التي بيننا وبين الآخر أننا نقرأ لهم ونتابعهم لكنهم لا يرونا، وهذه إشكالية جديرة بالتوقف" وتساءل: "ماذا سيجد الدارس التونسي والمغربي والعربي بشكل عام عندما يريد ان يكتب رسالة أو بحثا علميا عن جاسم العبودي؟، أين يجد المراجع والمصادر لهذه الكتابة؟ فليس هناك الكثير من الكتب عن جاسم العبودي، ويشمل هذا أغلب المبدعين العراقيين، وأنا أسأل هنا، هل هناك خطة لمؤسسة فنية وثقافية لتوثيق حياة الرواد؟.
وتحدث بشار طعمة مصمم السينوغرافيا والباحث بالمسرح العراقي بدوره قائلا:
- "مع الاسف لم تتوفر معلومات كثيرة عن المبدع الكبير جاسم العبودي، الا شهادات من هنا وهناك، يبدو انه كان مقاطع للصحافة، ربما مغادرته للعراق مبكرا أحد الأسباب وراء ذلك" وأشار الى أنه تمكن من جمع معلومات من المجلات والفولدرات التي توزع في العروض المسرحية التي قدمها الراحل، وقد حصلت على معلومات من الاستاذ اديب القلية جي قال لي فيها: "أسس المخرج جاسم العبودي فرقة المسرح الحر، وقد ضمت عند التأسيس الفنانين، صفاء مصطفى، عبد الرحمن فوزي، شكري العقيدي، فارس عجام, عبد الواحد طه، قاسم محمد، كارلو هارتيون، حسين السامرائي، حسين علوان وغيرهم، وقدمت الفرقة للفترة من 1954 لغاية 1958 ثلاث مسرحيات ذات الفصل الواحد، ومنها مسرحية "الغرفة المشتركة" تأليف جون ماديسون، ومسرحية "الخبز المسموم" تأليف جيان يحيى بابان وغيرها".
بعدها تحدث د. زهير عبد الصاحب ,أشار الى "أن فترة منتصف الثلاثينيات والاربعينيات، دخل المشهد الثقافي العراقي العديد من الشخصيات التي أصبحت فيما بعد رموزا ورواد للمسرح العراقي، حيث تركوا بصماتها الواضحة في الوسط الفني والثقافي بشكل عام ومن حسنات تلك الفترة كانت الحكومة تبعث بعض الطلبة الى دول مختلفة للدراسة، وأشار ألى أن جاسم العبودي كان أحد هؤلاء يوم بعثته الحكومة العراقية الى اميركا للتخصص بالمسرح، وقد أسهم ذلك في تنوع الأساليب الإخراجية في المسرح العراقي، والتي هي ربما كان أهم ما يميز المسرح العراقي.
الأكاديمي الدكتور بهاء الجنابي تحدث عن المسرح الملحمي، والتي كما أشار الى أنه خلال بحثه عن مصادر عند تأليف كتابه "المسرح الملحمي برؤية عراقية" وجد مقالات للراحل جاسم العبودي يتحدث فيها أو يبشر بالمسرح الملحمي.
كما تحدث الدكتور علي الربيعي عميد كلية الفنون الجميلة في جامعة بابل عن الدور الكبير الذي لعبه جاسم العبودي في المسرح العراقي والعربي، وعمله في معية الشاعر محمد مهدي البصير وتأثره الكبير به، ما جعله يتبنى الافكار القومية، وكان العبودي اول من عرفنا بالمخرج الروسي ستانسلافسكي، حيث نشر مقالات عن هذا المخرج الروسي في بداية الخمسينيات، وبهذا يكون اول من دوّن مقالات عن هذه الطريقة المسرحية، مضيفا انه بعد عودته من بعثته الدراسية في مشيغان، عمل على التبشير بنظرية ستانسلافسكي وذلك عام 1953 عندما عمل استاذا في معهد الفنون الجميلة.











