 متابعة / المدى

تتصدر قضيتا الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني وحصر السلاح بيد الدولة المشهد السياسي والأمني في لبنان، في ظل ظروف إقليمية ودولية بالغة التعقيد. الرئيس اللبناني جوزيف عون دعا السبت، الولايات المتحدة إلى ممارسة ضغوط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي المحتلة في الجنوب، بما يتيح للجيش اللبناني استكمال انتشاره حتى الحدود الدولية.
وخلال لقائه في قصر بعبدا قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الأميرال براد كوبر، بحضور السفيرة الأميركية ليزا جونسون، أكد عون ضرورة تنفيذ اتفاق نوفمبر/تشرين الثاني 2024، المتعلق بوقف الاعتداءات الإسرائيلية، وانسحاب القوات الإسرائيلية من التلال والأراضي المحتلة، وإطلاق الأسرى اللبنانيين، بما يضمن تطبيق القرار الدولي 1701 بكافة بنوده.
وأوضح عون أن استمرار الاعتداءات الإسرائيلية يعرقل استكمال انتشار الجيش اللبناني، رغم إنجاز الأخير التمركز في أكثر من 85 بالمئة من المنطقة الواقعة جنوب الليطاني، ومواصلته مصادرة الأسلحة ومنع المظاهر المسلحة، في ظروف جغرافية وأمنية صعبة.
في موازاة ذلك، وضعت الحكومة اللبنانية خلال جلستها الأخيرة ملف حصر السلاح غير الشرعي في مقدمة جدول أعمالها، وأقرت خطة الجيش المؤلفة من خمس مراحل تبدأ من جنوب الليطاني وتمتد تدريجيًا إلى باقي المناطق اللبنانية. وتُرفع تقارير شهرية إلى مجلس الوزراء لمتابعة التنفيذ، على أن تبقى المراحل قابلة للتعديل وفق الظروف الميدانية والقدرات المتاحة، وبما يتماشى مع متطلبات الانسحاب الإسرائيلي.
الرئيس عون شدد أمام المسؤول الأميركي على أن نجاح الخطة مرتبط باستمرار الدعم الدولي، وخاصة الأميركي، للجيش اللبناني عبر تزويده بالتجهيزات والآليات اللازمة. من جانبهم، أشاد المسؤولون الأميركيون بالجهود اللبنانية، مؤكدين التزامهم بمواصلة الدعم لتعزيز الاستقرار في الجنوب.

حزب الله بين الترحيب والتحفظ
الموقف الداخلي من الخطة عكس تعقيدات الساحة اللبنانية. فقد انسحب وزراء “الثنائي الشيعي” من جلسة الحكومة احتجاجًا على إدراج الملف، إلا أن مجلس الوزراء واصل مناقشاته وأقر المضي في التنفيذ. حزب الله أبدى ما وصفه مراقبون بـ«الترحيب المشروط»، إذ أكد أحد مسؤوليه، محمود قماطي، أن الخطة فرصة للعودة إلى التعقل وتجنب الانزلاق نحو المجهول، لكنه شدد على أن سلاح الحزب لن يُسلّم.
رئيس مجلس النواب نبيه بري رحب بالخطة معتبرًا أنها تحافظ على السلم الأهلي، في إشارة إلى توافق ضمني على تهدئة الأجواء وتجنب التصعيد. ويرى محللون أن الحكومة تمكنت من تمرير القرار من دون الدخول في مواجهة مباشرة مع القوى السياسية المعارضة، ما يعكس توازنًا دقيقًا بين الحاجة إلى فرض سيادة الدولة ومراعاة الواقع السياسي القائم.

معادلة الداخل والخارج
الباحث السياسي رضوان عقيل أوضح أن انسحاب وزراء الثنائي الشيعي كان متوقعًا وأن الرؤساء الثلاثة (رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب) كانوا على علم بهذا السيناريو. وأكد أن استمرار الجلسة بعد الانسحاب مثّل مخرجًا سياسيًا حافظ على تماسك الحكومة، وأظهر أن الدولة ماضية في قراراتها المتعلقة بحصرية السلاح.
وأشار عقيل إلى أن حزب الله لن يدخل في مواجهة عسكرية مع الجيش اللبناني، لأن ذلك سيؤدي إلى إضعافه داخليًا ويمنح إسرائيل فرصة لاستغلال الصراع الداخلي. واعتبر أن إسرائيل تسعى من خلال اعتداءاتها المتكررة إلى إشعال فتنة داخلية تصرف الأنظار عن الاحتلال المستمر لأراضٍ لبنانية وتضعف مؤسسات الدولة.
يرى مراقبون أن نجاح خطة حصر السلاح يرتبط بثلاثة شروط رئيسية: أولاً، انسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي اللبنانية المحتلة جنوبًا، وثانيًا، إطلاق سراح الأسرى اللبنانيين، وثالثًا، اعتماد استراتيجية أمنية شاملة تنفذ بالتنسيق بين الجيش اللبناني والقوات الدولية «اليونيفيل»، بما يتماشى مع القرار 1701.
في حال تحقق هذه الشروط، يُتوقع أن يتعامل حزب الله بحذر مع قرارات الحكومة، مع إمكانية الدخول في مسار تسليم تدريجي للسلاح، يحفظ توازن الداخل ويمنع أي انزلاق إلى مواجهة مسلحة. أما في حال استمرار الاحتلال الإسرائيلي وغياب التفاهمات السياسية الداخلية، فإن الملف قد يبقى معلقًا، مع ما يحمله من مخاطر على الاستقرار اللبناني.