المدى/خاص
دعا النائب عارف الحمامي، أمس الأحد، إلى اعتماد ستراتيجية إنشاء الأحزمة الخضراء في محافظات جنوب العراق، بوصفها الحل الأمثل لمواجهة زحف الصحراء والحد من تداعيات التغيرات المناخية المتسارعة.
وقال الحمامي في حديث تابعته (المدى) إن "الجفاف والتصحر والمتغيرات المناخية تضغط بقوة على مناطق جغرافية واسعة، لا سيما في جنوب العراق، مما يؤدي إلى انعكاسات بيئية وصحية واضحة"، مؤكداً "ضرورة الشروع باستراتيجية إنشاء الأحزمة الخضراء، خصوصًا في المناطق المفتوحة والنائية التي تُعد مصدر هبوب العواصف الترابية".
وأضاف أن "العواصف الترابية تجتاح بين فترة وأخرى محافظات واسعة وتؤدي إلى ارتدادات خطيرة على الصحة، خاصة مرضى الجهاز التنفسي، فضلًا عن الأضرار البيئية الأخرى"، مشيراً إلى أن "هناك ما بين خمس وست مناطق تحتاج بشكل عاجل إلى ستراتيجية الأحزمة الخضراء، من خلال الاستعانة بفرق مختصة لاختيار الأشجار التي تتلاءم مع البيئة الصحراوية، والتي يمكن أن تقلل من آثار تلك العواصف بمعدلات تصل إلى 40% على الأقل".
من جانبه، يرى الخبير البيئي طه الجنابي، خلال حديث لـ(المدى)، أن "إنشاء الأحزمة الخضراء يمثل أحد أهم المشاريع الاستراتيجية التي يمكن أن تسهم في تحسين المناخ وتقليل نسب التلوث في العراق"، موضحًا أن "هذه الأحزمة ستعمل كحاجز طبيعي يحد من تمدد الرمال ويقلل من شدة الرياح الحاملة للغبار، الأمر الذي ينعكس مباشرة على الصحة العامة وجودة الهواء".
وأشار الجنابي إلى أن "النجاح في هذا المشروع يتطلب دراسة دقيقة لطبيعة التربة والمناخ في كل محافظة، مع اختيار أنواع من الأشجار مقاومة للجفاف وتحتاج إلى كميات قليلة من المياه، مثل أشجار الأثل والسدر والأكاسيا"، لافتًا إلى أن "الأحزمة الخضراء ليست مجرد مشروع بيئي، بل هي استثمار طويل الأمد يقي البلاد من كوارث صحية واقتصادية ناجمة عن التغير المناخي".
يعاني العراق منذ أكثر من عقدين من أزمة متفاقمة في ملف البيئة والمناخ. فبحسب إحصاءات وزارة البيئة، باتت البلاد تسجل سنويًا عشرات العواصف الترابية التي تضرب مدن الوسط والجنوب، فيما تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن العراق قد يواجه ما يقارب 300 يوم مغبر سنويًا بحلول عام 2050 إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة.
وتُعزى هذه الظاهرة إلى جملة من الأسباب، أبرزها تراجع مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات، وتقلص المساحات المزروعة، فضلًا عن ارتفاع درجات الحرارة نتيجة التغير المناخي العالمي. كما أدى سوء إدارة الموارد المائية وتوسع النشاطات البشرية غير المنظمة إلى تسارع وتيرة التصحر وزحف الرمال نحو الأراضي الزراعية والقرى.
سبق للعراق أن تبنى مشاريع محدودة لإنشاء أحزمة خضراء في بعض المحافظات مثل كربلاء والنجف، إلا أن هذه المشاريع واجهت صعوبات كبيرة بسبب قلة التمويل وضعف المتابعة، فضلًا عن غياب التخطيط العلمي المستدام. ويؤكد مختصون أن إعادة إحياء هذه المشاريع يحتاج إلى شراكة حقيقية بين وزارات الزراعة والموارد المائية والبيئة، وبمساهمة منظمات دولية متخصصة يمكن أن تقدم الخبرة والتمويل اللازمين.
التحدي الأكبر أمام ستراتيجية الأحزمة الخضراء يبقى في تأمين المياه اللازمة لسقي الأشجار، وهو ما يتطلب حلولًا مبتكرة مثل الاعتماد على تقنيات الري بالتنقيط أو استخدام المياه المعالجة. كما أن إنجاح المشروع يحتاج إلى رؤية بعيدة المدى لا تقتصر على دورة انتخابية أو فترة حكومية محدودة، بل تتكامل عبر خطط عشرية مرتبطة بالتغيرات المناخية.
ويرى مراقبون أن اعتماد ستراتيجية الأحزمة الخضراء لا يمثل ترفًا بيئيًا، بل ضرورة ملحة لوقف الانعكاسات الصحية والاقتصادية المتفاقمة التي تفرضها العواصف الترابية والجفاف على ملايين العراقيين، خصوصًا في محافظات الجنوب التي تشهد أكثر من غيرها تأثيرات مباشرة لزحف الصحراء.
ستراتيجية "الأحزمة الخضراء".. مقترح لمواجهة التصحر وزحف الصحراء في جنوب العراق

نشر في: 8 سبتمبر, 2025: 12:20 ص









