TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: دخول التاريخ بقاذفات العشائر

العمود الثامن: دخول التاريخ بقاذفات العشائر

نشر في: 9 سبتمبر, 2025: 12:07 ص

 علي حسين

عندما تقرأ في الأخبار عن مقتل ضباط وعدد من افراد الشرطة من قبل عشائر حملت السلاح والقاذفات من اجل الدفاع عن "مولدة" احد ابنائها، وعندما تعرف ان الكثير من العشائر تفرض قانونها على مؤسسات الدولة وعلى المواطنين. وعندما تسمع أن عشيرة لم يعجبها حكم القضاء بتبرئة مواطن، فقررت أن تعدمه في الشارع أمام أنظار القوات الأمنية التي كانت مهمتها حماية هذا المواطن.
وعندما تشاهد القوات الأمنية عاجزة عن الوقوف بوجه عشائر خارجة على القانون. وعندما تقرر عشيرة أن تقتل ضابطاً كبيراً في الجيش ذنبه الوحيد أنه حاول التوسط لفض نزاع عشائري. فعلينا أن ندرك أن القانون تحول إلى مادة فكاهية يمكنها أن تقدم من على شاشات الفضائيات.. وكنا قبل هذا قد عشنا في هذه البلاد فواصل من الاستعراضات الطائفية والعشائرية قادها مسؤولون كبار.
ويذكر التاريخ القريب جيداً أن هذه العشائر التي تتباهى الآن بأسلحتها الثقيلة كانت تهتف بالروح بالدم للقائد الضرورة، لكنها هذه الايام وجدت في ضعف الدولة طريقاً لابتزاز المواطن المسكين وإرهابه، ومن المضحك أنه بعد 2003 أصرت هذه العشائر على أنها كانت معارضة للنظام السابق، وحصل الكثير من شيوخها على امتيازات ومقاولات.
إن المشهد يبدو مثيراً للدهشة حين يقف البعض وسط البرلمان ليطالب بـ "ضرورة تشريع قانون المجلس الوطني للعشائر لتهذيب الأعراف الطارئة على المجتمع العراقي، ولكي يكتسب ما ينظمه المجلس صبغة قانونية للالتزام بما يصدر عنه في القضاء على العادات والتقاليد السيئة".
اعتقد العراقيون واهمين أن الخطر الأكبر الذي يواجه بلادهم هو الفساد المستشري في كل مؤسسات الدولة، والمحسوبية والانتهازية السياسية وغياب الكفاءات وسرقة المال العام، لكن البرلمان فاجأنا بأن أخطر ما يواجه الناس هو غياب القيم العشائرية كما اخبرنا ذات يوم النائب محمد الصيهود، وهي نكتة ربما تكون ثقيلة على سمع العراقي المسكين الذي تيقن بالدليل القاطع أن البرلمان لا يزال سجينا لأمزجة مسؤولين يخلطون السياسة بالفواصل الكوميدية منذ سنوات.
يجب أن نأخذ دائماً في الاعتبار الفارق بين الأمم التي نشأت على ثقافة المواطنة، وتلك التي تصر على أن المواطن لا قيمة له من دون شيخ عشيرة. الفارق بين الحكومات التي تُحترم فيها الكفاءات وبين حكومة "العشائر"، مثل الفارق بين مجتمع حر، منتج، يحرص فيه المسؤول على تحقيق العدالة الاجتماعية، وآخر لا يملك شيئاً سوى اللقاءات التلفزيونية وإشاعة قيم الانتهازية والخراب.
هذه هي أنباء بلاد الرافدين أيها السادة، فنحن الشعب الوحيد الذي يضحك عندما يقرأ خبراً يقول إن الرئاسات اجتمعت وتدارست وقررت أن تعلن "حصر السلاح بيد الدولة".. أما كيف، والسلاح مزدهر عند العشائر بجميع أنواعه: قنابل يدوية، رشاشات، صواريخ، وأيضاً مدرعات إذا تطلب الأمر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

"دبلوماسية المناخ" ومسؤوليات العراق الدولية

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram