بغداد / محمد العبيدي
تشهد الساحة السياسية العراقية واحدة من أكثر الدورات الانتخابية سخونة، بعدما أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بلوغ عدد المرشحين نحو 7900 شخص يتنافسون على مقاعد البرلمان المقبل.
هذا الرقم الكبير أعاد إلى الواجهة ما يُعرف بـ»حمّى الترشح»، إذ اندفع آلاف الأشخاص من خلفيات متباينة إلى السباق، بينهم شيوخ عشائر وضباط سابقون وحاليون وصحافيون وفنانون، في ظاهرة بدت أقرب إلى اندفاع جماعي نحو مقاعد البرلمان، أكثر من كونها تعبيراً عن منافسة سياسية ناضجة.
ويرى متابعون للشأن الانتخابي أن أغلب هذه الأسماء لم تمارس عملاً سياسياً من قبل، ولم تختبر آليات العمل التشريعي أو التنفيذي، ما يفتح باب التساؤل عن طبيعة الدوافع التي تقف خلف هذا الاندفاع غير المسبوق.
وبينما يؤكد بعض المرشحين أن وجودهم يمثل رغبة في «التغيير»، يرى آخرون أن الظاهرة لا تخرج عن كونها محاولة لاقتناص فرصة ثمينة تتيحها الانتخابات لمَن يملكون المال أو النفوذ الاجتماعي.
امتيازات وصفقات
بدوره، أكد الباحث في الشأن السياسي جاسم الغرابي أن «الترشح إلى مجلس النواب أصبح في ذهن الكثير من المرشحين مرادفاً للمغانم الشخصية أكثر من كونه واجباً لخدمة المجتمع».
وأضاف لـ(المدى) أن «الصورة الذهنية السائدة اليوم لدى الناس هي أن النائب لا يقدم خدمة حقيقية، بل يسعى إلى الاستفادة من الامتيازات والصفقات، حتى صار وصفه في المخيال الشعبي أقرب إلى من يمارس السرقة لأربع سنوات مقبلة».
وتابع أن «هذا الانطباع المتراكم أدى إلى تعميق عزوف المواطنين عن المشاركة في الانتخابات، إذ يرى كثيرون أن التصويت يعني منح الشرعية لمن يسعى إلى نهب المال العام»، لافتاً إلى أن «القوانين التي يقرها البرلمان تصب في الغالب في مصالح الكتل السياسية لا في مصلحة الشعب، وهو ما عزز الشكوك لدى الناخبين وأضعف الثقة بالعملية الديمقراطية برمتها».
دماء جديدة!
وتشير قراءات إلى أن دخول شخصيات من خارج الوسط السياسي قد يحمل جانباً إيجابياً، من خلال ضخ دماء جديدة في العملية التشريعية، شرط أن تكون هذه الشخصيات مؤهلة وتمتلك برامج واضحة.
إلا أن الواقع، كما يقول مراقبون، يكشف عن أن كثيراً من المرشحين الجدد يفتقرون إلى الخبرة السياسية، ويخوضون المنافسة بدوافع مرتبطة بالوجاهة الاجتماعية أو الرغبة في تعزيز مكانتهم داخل العشيرة أو المجتمع المحلي.
ويضيف مختصون أن اتساع دائرة الترشيحات بهذا الشكل يضعف من فرص بروز برامج انتخابية متكاملة، إذ يغلب على المشهد طابع فردي قائم على المصالح الخاصة، ما قد يعيد إنتاج النخب ذاتها تحت عناوين جديدة.
ويذهب البعض إلى القول إن كثرة المرشحين لا تعكس بالضرورة واقعاً ديمقراطياً، بل قد تكون انعكاساً لضعف المعايير الصارمة في قبول الأسماء، وغياب نظام انتخابي رادع يمنع غير المؤهلين من دخول المنافسة.
وفي هذا السياق، قال الباحث في الشأن السياسي علي ناصر إن «أغلب المرشحين الذين يتقدمون للانتخابات المقبلة باتوا يبحثون عن المكاسب المادية أكثر من البرامج»، مشيراً إلى أن «بعض القوائم اعترفت صراحة بوجود هذه الظاهرة، وهو ما انعكس بانسحاب ائتلاف النصر برئاسة حيدر العبادي من السباق الانتخابي».
وبيّن ناصر لـ(المدى) أن «شريحة واسعة من المرشحين تسعى لاستغلال النفوذ والحصانة البرلمانية في حال وصولها إلى البرلمان، بينما يفتقر كثيرون منهم إلى أية رؤية إصلاحية واضحة»، موضحاً أن «البعض يدخل السباق فقط من باب تعزيز مكانته الاجتماعية أو إثبات قدرته أمام جمهوره العشائري، بعيداً عن أي إلتزام جاد بخدمة الناخبين».
وأضاف أن «هذه الممارسات تجعل النفعية الذاتية هي المحرك الأبرز للترشح، في وقت يغيب فيه الاهتمام الحقيقي بمصلحة المجتمع وإصلاح الواقع السياسي المثقل بالخلافات والمناكفات منذ أكثر من عقدين».
وبينما تواصل المفوضية استعداداتها لإجراء الانتخابات، تبقى المخاوف قائمة من أن يؤدي التضخم في أعداد المرشحين إلى مزيد من التشويش على الناخبين، وتعقيد المشهد السياسي، وإعادة إنتاج حالة من الإحباط الشعبي تجاه صناديق الاقتراع.
وجوه بلا تجربة سياسية.. السباق الانتخابي يجذب شيوخ عشائر وفنانين

نشر في: 9 سبتمبر, 2025: 12:02 ص









