TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > النجف تغرق في أزمة مياه.. والحنفيات تضخ ماءً أخضر ذو رائحة كريهة!

النجف تغرق في أزمة مياه.. والحنفيات تضخ ماءً أخضر ذو رائحة كريهة!

تطمينات رسمية: المياه صالحة ومحطات الإسالة تعمل بكفاءة

نشر في: 9 سبتمبر, 2025: 12:07 ص

 بغداد – تبارك عبد المجيد

تغرق محافظة النجف، جنوب العراق، في أزمة مياه مستمرة، حيث تصل مياه الحنفيات إلى البيوت بلون أخضر ورائحة كريهة، محمّلة بالطحالب والبكتيريا، لتصبح حياة الأهالي اليومية مليئة بالصعوبات. الأطفال يعانون من الأمراض، والمزارعون والصيادون فقدوا مصادر رزقهم بسبب جفاف بحر النجف ونقص المياه في الروافد.

يقول المواطن علي الحسناوي من أهالي النجف:
"الماء الذي يصل إلينا في البيوت غير صالح للشرب؛ فيه طحالب وشوائب ورائحة كريهة. هذا الأمر صار يهدد صحة عوائلنا بشكل مباشر، خصوصاً الأطفال وكبار السن الذين يعانون من أمراض معوية متكررة".
ويضيف في حديثه لـ"المدى": "نحن لا نعاني فقط من تلوث الماء، بل لدينا أيضاً مشكلة الجفاف، مثلما حصل في بحر النجف الذي جفّت مساحاته بسبب توقف الروافد والآبار. هذا أثر بشكل كبير على المزارعين والصيادين الذين كانوا يعتمدون عليه".
ويتابع: "حتى نهر المشخاب ظهرت فيه بقع زيتية كبيرة، والأسماك تموت بكثرة، ودائرة البيئة سجلت حالات نفوق بسبب قلة الأوكسجين. والأسوأ أن بعض مناطق الكوفة تصرّف مياه المجاري مباشرة في الفرات، وهذه تصل إلى البيوت كمياه آسنة".
وأوضح: "أحياناً نعيش بلا ماء في الحنفيات بسبب أعطال في الأنابيب الرئيسية، فنضطر إلى شراء المياه المعبأة بأسعار مرتفعة. النتيجة أن الناس البسطاء هم الضحية، بينما لا توجد حلول جدية حتى الآن".
وطالب الحكومة المحلية والوزارات بأن "يتحمّلوا مسؤولياتهم ويوفروا ماءً صالحاً للشرب، لأن النجف تعيش حالياً أزمة بيئية وصحية خطيرة".

تلوث وانقطاع في المياه
وثّق الناشط المدني منتظر الجواهري منذ البداية أزمة المياه في محافظة النجف، وكان من بين أبرز الأصوات التي دعت للاحتجاج ضد تلوث المياه التي تصل إلى منازل الأهالي. وأوضح الجواهري أن السبب الرئيسي للتلوث يكمن في شبكة الأنابيب التي تنقل المياه من الأنهار إلى محطات التصفية، مشيراً إلى أن هذه الأنابيب كانت في البداية بطول متر واحد، ثم تم إنزالها تدريجياً لتصل إلى مسافة عميقة جداً في النهر، الأمر الذي أدى إلى تراكم الطحالب والملوثات داخلها وانتقالها إلى المنازل، فتفاقمت المشكلة بشكل واضح.
وأكد الجواهري لـ"المدى" أن عدد محطات التصفية غير كافٍ، وأن الانقطاع المتكرر للمياه يزيد من معاناة المواطنين. وأضاف أن أزمة المياه لم تعد محلية، بل هي جزء من أزمة عالمية مرتبطة بتراجع الموارد المائية الصالحة للاستخدام اليومي. وأشار إلى أن دول الجوار، مثل تركيا وإيران وسوريا، لم تلتزم بإطلاق الحصص المائية المقررة، ما تسبب في انخفاض مناسيب الأنهار وتفاقم الشح المائي في العراق.
وبيّن أن انخفاض المياه يؤثر بشكل مباشر على عمل شبكات الأنابيب، حيث تصل المياه إلى المحطات محمّلة بالطفيليات والبكتيريا والطحالب والشوائب، فيما تبقى البنى التحتية الخاصة بتنقية المياه في محافظات الفرات الأوسط غير مكتملة وغير قادرة على تصفية المياه أكثر من مرة قبل وصولها إلى المنازل.
وقال الجواهري إن هذه الظروف جعلت مياه الشرب في بعض الأقضية والنواحي غير صالحة تماماً للاستخدام البشري، بينما تتمتع مراكز المدن بوضع أفضل نسبياً. وأكد أن الأزمة لا تقتصر على النجف وحدها، بل تمتد إلى الحلة وكربلاء وأجزاء من بغداد، لتشمل مناطق واسعة من الفرات الأوسط، ما يضع حياة ملايين المواطنين تحت تهديد صحي وبيئي مباشر.

موقف بيئة النجف
وذكر مدير بيئة محافظة النجف الأشرف، جمال عبد زيد شلاكه، في تصريح اطلعت عليه "المدى"، أن "مستوى المياه الخام الموجودة في نهر الفرات والتي تُسحب إلى مشاريع المياه في النجف الأشرف انخفضت جودتها بشكل كبير، حيث ظهرت مشاكل وعوالق وذائبات ذات تراكيز عالية، مما أدى إلى عدم إمكانية معالجتها بالشكل المطلوب".
وأضاف أن "انخفاض المناسيب جاء لأسباب عديدة، أبرزها قلة الإطلاقات، ما أدى إلى زيادة التراكيز. فضلاً عن أن استخدام الخزين الميت في بحيرة الثرثار أو سد الموصل أدى إلى وصول مياه من قاع البحيرة، وهي تحتوي على كثير من العوالق والذائبات، الأمر الذي تسبب في التغيّر الكبير بلون ورائحة المياه الخام".
وأشار إلى أن "دائرة الصحة لديها لجان تفحص مياه الشرب يومياً، إضافة إلى مديرية الماء التي عليها أن توضّح مدى إمكانية الفلاتر والمرشحات وعمليات الترسيب في مشاريعها لمعالجة المياه بشكل تام. وإذا لم تعد قادرة على ذلك، فهذا يعني أن الموضوع اختلف بمستوى معين".
وبيّن أن "هناك بدائل يمكن اعتمادها، منها مشاريع مياه الإسالة من مصادر غير نهر الفرات مثل الآبار، واستخدام محطات التحلية بدل محطات التصفية كحل عاجل في حالات الطوارئ".

توضيح حكومي
في المقابل، نفى مدير الموارد المائية في محافظة النجف، شاكر فايز، ما تم تداوله مؤخراً عبر منصات التواصل الاجتماعي بشأن تلوث مياه نهر الفرات، مؤكداً أن "المعلومات المتداولة غير دقيقة وعارية عن الصحة".
وأوضح فايز لـ"المدى" أن كميات المياه الواردة للنهر "كافية لتشغيل جميع محطات الإسالة في المحافظة"، مبيناً أن نوعية المياه ما تزال ضمن مستواها الطبيعي، حيث إنها تأتي من مصادرها المعتادة دون أي تغيير في مسارها على طول عمود النهر.
وأضاف أن "المياه الواصلة إلى النجف مصدرها خزانات أعالي الفرات، إلا أن قلة الإطلاقات المائية من دول الجوار ساعدت على خلق بيئة مناسبة لنمو الطحالب والأشنات والنباتات المائية الأخرى". وأشار إلى أن انخفاض مناسيب المياه بسبب التقنين العالي للإطلاقات من السدود، وعدم وجود خطة زراعية خلال الموسم الصيفي الحالي، أدى إلى تفاقم الظاهرة.
وبيّن فايز أن ظهور العكورة وتغير لون المياه مع بعض الروائح البسيطة أمر طبيعي في مثل هذه الظروف، موضحاً أن ذلك "يستدعي زيادة فترات الترسيب في محطات المعالجة وتعزيز عدد المرشحات لضمان نقاوة المياه".
وأكد أن وزارة الموارد المائية باشرت بزيادة الإطلاقات لتحسين سرعة الجريان في النهر، وهو ما انعكس إيجاباً على الوضع الحالي، حيث يشهد تحسناً ملحوظاً في نوعية المياه.

توقف الزراعة وجفاف المنطقة
وفي سياق متصل، قال الناشط المدني من النجف، زيد محمد، إن ملف بحر النجف بات من أبرز القضايا البيئية المرتبطة بالتغيرات المناخية في المحافظة، مؤكداً وجود ضغوط كبيرة على الحكومة المحلية لفتح هذا الملف وتوضيح مستقبله.
وأشار محمد لـ"المدى" إلى أن محافظ النجف سبق أن صرّح عبر قنوات إعلامية، من بينها "الشرقية" و"الفرات"، بأن بحر النجف "لن يجف"، وأنه سيبقى لأبناء النجف، نافياً في الوقت نفسه وجود أي مشروع استثماري يهدد وجوده. كما لفت المحافظ، بحسب حديث محمد، إلى وجود مخطط لإنشاء مدينة سياحية متكاملة قرب المنخفض المحيط ببحر النجف.
وبيّن الناشط أن المنطقة المحيطة بالبحر تعاني من الجفاف نتيجة توقف النشاط الزراعي في الفترة الأخيرة، فضلاً عن غياب المياه عن الآبار والروافد التي كانت تصب في البحر. وأضاف أن قراراً من الحكومة المركزية في بغداد قضى بوقف ضخ المياه من بعض الروافد، وهو ما ساهم في تفاقم الأزمة.
وأوضح محمد أن عضو مجلس محافظة النجف، أكرم شربة، يتابع الملف بشكل مستمر، مؤكداً أن الناشطين البيئيين سيواصلون مراقبة القضية ودراسة تداعياتها وأسباب الجفاف. وختم بالقول:
"نأمل من حكومتنا المحلية أن تضمن بقاء بحر النجف، لكننا سنبقى نبحث ونتحقق مما إذا كان ما يحدث نتيجة قرار حكومي أم أن هناك ما يُدبَّر لهذا المنخفض".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

مقالات ذات صلة

لا حسم في

لا حسم في "الإطار": الملف البرتقالي يخرج بلا مرشحين ولا إشارات للدخان الأبيض

بغداد/ تميم الحسن أصبح "الإطار التنسيقي" يبطئ خطواته في مسار تشكيل الحكومة المقبلة، بانتظار ما يوصف بـ"الضوء الأخضر" من واشنطن، وفق بعض التقديرات. وفي المقابل، بدأت أسماء المرشحين للمنصب الأهم في البلاد تخرج من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram