محمد علي الحيدري
الإصلاح السياسي لم يعد خيارًا انتقائيًا أو شعارًا لحشد الدعم عند الحاجة، بل صار ضرورة وجودية لدولة تواجه اختلالات عميقة في بنيتها السياسية، وشرخًا متناميًا بين السلطة والمجتمع، وتآكلًا ملموسًا في ثقة المواطن بمؤسسات الحكم. إنه ليس مجرد تعديل قانوني أو دستوري، بل عملية إعادة تأسيس للعقد الاجتماعي والسياسي الذي ينظم العلاقة بين الدولة والشعب.
الدساتير وُضعت لتعبّر عن إرادة المجتمع وتحقق العدالة التمثيلية، لا لتكون أداة لاستدامة هيمنة سياسية أو محاصصة حزبية. والنظام البرلماني صُمم ليجسّد الديمقراطية التشاركية، لا ليحوّل السياسة إلى صفقات مغلقة، تكرّس السلطة لفئة محددة تحت ستار التوافق. ومن هنا، فإن أولى خطوات الإصلاح تتطلب مراجعة جذرية للإطار الدستوري والقانوني، مع التركيز على آليات تشكيل الحكومة، وتوزيع الصلاحيات، ومبدأ المحاسبة، واستقلالية القضاء.
غير أن الإصلاح لا يقتصر على النصوص القانونية، بل يجب أن يشمل ممارسات الدولة وهياكلها الداخلية. فالتغيير السياسي الحقيقي يبدأ بكسر الحلقة المفرغة التي تربط الفساد بالمحاصصة، والمحاصصة بالشللية، والشللية بالتهميش. ويستلزم إنشاء نظام انتخابي عادل يعكس الإرادة الشعبية تمثيلًا حقيقيًا، بعيدًا عن هندسة القوانين لخدمة مصالح القوى القائمة.
ثمة حاجة ماسة إلى إفساح المجال أمام قيادات جديدة، ومجتمع مدني فاعل، وإعلام مستقل، ومحاكمات علنية للفساد السياسي، كي يشعر المواطن بأن صوته مسموع، وأن القانون يُطبَّق بلا استثناء، وأن الدولة ليست خصمًا، بل حامية لحقوقه.
الإصلاح السياسي في العراق لا يمكن أن يُنجز بعقلية الترميم أو الحلول الجزئية؛ إنه يتطلب خيالًا سياسيًا قادرًا على تخيّل عراق ما بعد الأزمة: عراق بلا طائفية سياسية متجذرة، بلا زعامات أبدية، وبلا نهب منهجي للثروة العامة. فالأزمة ليست في الأشخاص أو الأدوات فحسب، بل في بنية السلطة نفسها.
ومن هنا، فإن التحوّل إلى إصلاح حقيقي يعني الانتقال من خطاب التهدئة إلى مشروع تغيير شامل، ومن منطق الصفقة إلى منطق الدولة، ومن ثقافة الاسترضاء إلى ثقافة المساءلة والمحاسبة. عندها فقط، يمكن للإصلاح السياسي أن يصبح جسرًا نحو دولة حديثة ومستقرة، لا مجرد طوق نجاة لنظام متهاوي.











جميع التعليقات 1
أحمد عبد الرزاق شكارة
منذ 3 شهور
مقال مركز ممتاز عكس الامال والامنيات والرغبة الصادقة في ما يريد كل عراقي بل وإنسان حريص على نقل بلاده من حالة ساكنة او غير مواتية للتقدم إلى مجابهة للتحديات وخلق فرص واعتبار التحديات الداخلية والخارجية فرصا حقيقية للتقدم الجيوسياسي ولكن كيف؟؟