TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كلاكيت: الكوميديا السوداء في "كعكة الرئيس"

كلاكيت: الكوميديا السوداء في "كعكة الرئيس"

نشر في: 11 سبتمبر, 2025: 12:05 ص

 علاء المفرجي

1-2
ما يحسب للمخرج حسن هادي في فيلمه (كعكة الرئيس) الذي رضح عن الأفلام العراقية الى الأوسكار، هو خروجه عن النمط المعتاد، الذي طبع موضوعات تجارب السينمائيين الشباب في السينما العراقية بعد عام 2003، وهي موضوعة الحرب على داعش، والآثار المأساوية لهذه الحرب، على الرغم من الموضوعات (المبذولة) التي لم تقرُبها المعالجة الفيلمية، والتي كان أثرها المحلي أسوأ من الحروب.
عُرض فيلم "كعكة الرئيس" للمخرج حسن هادي، وهو أول فيلم عراقي يُشارك في مهرجان كان السينمائي، في قسم "أسبوعي المخرجين" الموازي له، حيث برز كأحد أكثر الاكتشافات إثارةً هذا العام، حتى قبل فوزه بجائزة الجمهور، وجائزة الكاميرا الذهبية المرموقة (التي تُمنح سنويًا لأول فيلم روائي طويل أول) في حفل الختام نهاية هذا الأسبوع.
يرصد الفيلم سنوات الحصار التي فرضت على العراق في التسعينيات، واستمرت حتى عام 2003، حيث نظام صدام حسين الاستبدادي متمسكًا بالسلطة طوال هذه الفترة القاسية من العقوبات الاقتصادية، وأحيانا القصف الجوي، وهو ما أدى إلى نقص في الغذاء والدواء. بفعل العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة عقب حرب الخليج الثانية، بلدٌ تُقنّن فيه المياه، ويُعاني من شحّ الطعام، فيما يُعتبر الدواء ترفًا بعيدًا.
في هذه الأجواء نتعرف على حكاية حسن هادي المأساوية الكوميدية -المستمدة من ذكريات طفولته، حيث يلقي الضوء على واقع أغرب من الخيال للحياة في ظل ذلك الحكم: حيث كان يتم اختيار الأطفال كل عام في فصل دراسي لخبز كعكة عيد ميلاد تكريمًا للحاكم المستبد، وغالبًا ما يكافحون لتوفير - أو حتى العثور على - المكونات اللازمة للقيام بذلك.
أحداث الحكايا تقع قبل يومين من عيد ميلاد الرئيس، عندما يتم اختيار لميعة، البالغة من العمر تسع سنوات (التي لعبت دورها بنين أحمد نايف بإداء عال وعفوية مدهشة) لتمثيل مدرستها في مبادرة وطنية، حيث يجب على كل طالب في المدرسة أن يتحمل نصيبه في صنع كعكة تكريمًا لصدام حسين في عيد ميلاده. هنا يُذكرنا الفيلم بأعمال المخرج الإيراني عباس كياروستامي خاصة في مشاهده الأولى، التي اعتمدت منظورًا طفوليًا في كشفها تدريجيًا عن عبثية المجتمع الأوسع ومعاناته، كما يضعها العمل الأول لحسن هادي، الذي اتسم بدفء المشاعر الخادع، في مواجهة شريحة أجتماعية وسياسية: رجال الأمن والباعة والشرطة وغيرهم، والذين يكافحون من أجل العيش الكريم في مدينة نابضة بالحياة.
الايقاعات السريعة والمفتوحة للآلات الوترية التقليدية –العود- في الموسيقى التصويرية، فضلا عن إختيار المخرج للتصوير في مواقع عراقية؛ سواء التي كانت في الأماكن المظلمة القديمة، أو شوارع المدينة الحديثة، ليخلق لنا التفاصيل المؤثرة، والحقائق القاسية في المجتمع العراقي من منظور بطلتها، تماما مثلما فعل الإيراني جعفر بناهي في "البالون الأبيض" قبل ثلاثين عاما، ونال عنه أيضا -–ويا للمفارقة- جائز الكاميرا الذهبية، قبل أن ينال السعفة الذهبية هذا العام.
ولئن قلنا أن موضوعة حسن هادي في هذا الفيلم كانت خروجه على النمط المعتاد في موضوعات أقرانه من السينمائيين العراقيين الشباب، فأن ميزة أخرى في الفيلم كانت بصالحه أيضا، تتعلق بمعظم طاقم الممثلين غير المدربين الذين عملوا تحت إدارته. وأيضا اعتماده دراما مؤثرة مفعمة بالسخرية، تروي قصة عبور: من المنزل إلى المدرسة، ومن القرية إلى المدينة، من مرحلة حياة إلى أخرى، تتجسد هذه المراحل في الزوارق التي تجوب المياه الهادئة لأهوار جنوب البلاد. حيث يُرى هذا المشهد الأخّاذ لأول مرة عند الغسق في مشهد يُهيئ لما يليه، كما تفعل غنائية العود الحزينة (غير المذكورة) في الموسيقى التصويرية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

"دبلوماسية المناخ" ومسؤوليات العراق الدولية

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram