ميسان / مهدي الساعدي
تضم محافظة ميسان مقابر متعددة تعود لأبناء الأقليات الدينية التي استوطنت المنطقة منذ قرون زمنية عديدة، مثل المندائيين والمسيحيين بطوائفهم الكلدانية والسريانية، إضافة إلى مقابر لجنسيات رافقت الجيش البريطاني عند دخوله العراق مطلع القرن العشرين، ويؤكد ناشطون أن هذه المقابر ليست مجرد أرض تضم رفات الموتى، بل تمثل ذاكرة وهوية مجتمعية لأهالي ميسان.
الناشط الاجتماعي سجاد محمد شكر أوضح لـ (المدى) أن المقابر تعد حرمة مقدسة للأحياء قبل الأموات، وتشكل إرثًا مشتركًا في المحافظة.
أبناء الطائفة المندائية في ناحية المشرح جنوب شرق العمارة تحدثوا عن تعرض مقابرهم لتجاوزات متواصلة، كان آخرها تضرر أحد القبور. كما بيّن الناشط المندائي أحمد لورنس الخميسي أن هذه الاعتداءات مستمرة منذ سنوات طويلة في ظل غياب الإجراءات الرسمية الرادعة، لافتًا إلى أن السبب يعود لغياب الأسيجة التي تحمي المقابر، إضافة الى هجرة أغلب أبناء الطائفة من الناحية إلى محافظات أو بلدان أخرى. وأوضح أن عدد العوائل المندائية المتبقية في المشرح لا يتجاوز أربعة فقط بعد أن كان عددها بالمئات، ما جعل المقابر عرضة للإهمال والتجاوز. مقبرة المندائيين في المشرح تُعد من أقدم مقابر ميسان ويتجاوز عمرها 500 عام، فهي تضم رفات أجيال متعاقبة. وبحسب الخميسي، فإن بقايا القبور القديمة لا تزال شاهدة على هذا التاريخ رغم تقادمها وتحول بعضها إلى ركام. كما تنتشر مقابر مندائية أخرى في أقضية المحافظة، أبرزها قضاء قلعة صالح المعروف بتنوعه التاريخي وتعايش مكوناته. ويشير الناشط سجاد محمد شكر إلى أن احترام المقابر كان جزءًا من ثقافة المجتمع وقيمه، مؤكدًا أن مسؤولية حمايتها تقع على الدولة من خلال تطبيق القوانين، وعلى المجتمع المدني والنخب الثقافية من خلال رفع الوعي بقدسيتها.
إلى جانب المقابر المندائية، تحتفظ ميسان بمقابر أخرى تعود للجنود الإنجليز والجنسيات الهندية والباكستانية التي رافقت القوات البريطانية عام 1916، وتعرف حتى اليوم بـ «مقبرة الإنجليز». كما توجد مقابر مسيحية ما زالت قائمة داخل الكنائس وتحظى بحماية نسبية.
الباحث والكاتب حيدر العلاق أوضح لـ (المدى) أن التجاوزات طالت مقابر المندائيين والإنجليز وسط مدينة العمارة، رغم دعوات المثقفين والناشطين المتكررة بضرورة حماية هذه الأماكن لما تمثله من قدسية لدى أصحابها.
يرى ناشطون أن التعدي على مقابر الأقليات يتجاوز كونه خرقًا عقاريًا أو خدمياً ليصل إلى مستوى قضية إنسانية وحقوقية تهدد السلم الاجتماعي. ويؤكد سجاد محمد شكر أن التجاوز على هذه المقابر يمثل تعديًا على قيم التعايش والعيش المشترك في ميسان، محذرًا من أن استمرار هذه الظاهرة قد يرسخ شعورًا بالتهميش لدى المكونات الدينية. وطالب شكر المجتمع المحلي بوقف الاستغلال غير المشروع لممتلكات الصابئة المندائيين من مقابر ومعابد وبيوت تركها أصحابها بسبب النزوح والهجرة.
من جانبه، دعا الباحث حيدر العلاق إلى اتخاذ إجراءات احترازية عاجلة، من بينها بناء أسيجة محكمة حول المقابر وتوفير حراسات دائمة، سواء عبر القوات الأمنية أو حراس مدنيين، لردع المتجاوزين وحماية هذا الإرث التاريخي. ويرى مراقبون محليون أن وضع ملف مقابر الأقليات تحت أنظار الحكومة المحلية والجهات المختصة بات ضرورة ملحة، لضمان عدم ضياع هذه الذاكرة التعددية التي شكلت جزءًا أصيلًا من تاريخ ميسان.










