بغداد / تبارك عبد المجيد
في قلب أهوار محافظة ميسان، كانت التلال والوديان خضراء، والطيور المهاجرة تتجول فوق المزارع والمسطحات المائية الغنية، لكنها باتت اليوم صورة مختلفة تمامًا. الأراضي الخضراء تلاشت، والغزلان والحيوانات البرية فقدت ملاذها الطبيعي، والأهوار تواجه تهديدًا حقيقيًا نتيجة عقود من التوسع النفطي غير المخطط له، الذي غيّر وجه الطبيعة في المنطقة بشكل دراماتيكي.
هذا ما وثقه مرتضى الجنوبي، ناشط بيئي محلي، حين تحدث عن الانتهاكات المستمرة لشركة سينوك الصينية، المشغلة لحقول النفط في شرق ميسان، بما في ذلك بازركان والفكة وأبو غرب. يقول الجنوبي: "هذا نموذج بسيط جدًا من تدمير البيئة الذي قامت به الشركة. مناطق مثل الفكة والطيب كانت تُعرف بتلالها الخضراء ووديانها الجميلة، وكانت موطنًا للغزلان والحيوانات البرية، وملاذًا آمنًا للطيور المهاجرة. لكن خلال 15 سنة من النشاط النفطي العشوائي، تغيّرت ملامح الطبيعة بالكامل". مرفقًا صورًا وثقها مع أصدقائه من سكان الأهوار.
ويضيف لـ "المدى"، إن "الأراضي الزراعية تم تدميرها، وأُقصي السكان المحليون عن أراضيهم، بينما توسعت الشركة في نشاطها دون أي التزام بالمعايير البيئية أو العقود الموقعة. وزارة البيئة بدورها لم تفرض رقابة فعلية، تاركةً الطبيعة للدمار المستمر".
وأوضح الجنوبي أن الشركة لم تكتفِ بالتوسع وحده، بل تركت المئات من المخلفات النفطية والكيميائية في الوديان والأراضي الطبيعية من دون معالجة أو طمر صحي، بل دفنت بعضها من دون معالجة، ما تسبب في سلسلة من المشاكل: تلوث التربة، وتسرب المياه الجوفية، وانبعاث الغازات السامة، وفقدان التنوع البيئي، وتهديد مباشر لصحة الإنسان، إضافة إلى آثار طويلة الأمد تهدد الأجيال القادمة.
ويؤكد أن هذا الوضع لا يهدد ميسان فقط، بل يمتد تأثيره ليطال العراق كله، قائلاً: "المنطقة الطبيعية التي كانت خضراء مليئة بالتلال والوديان تحولت إلى أرض جرداء. الانتهاكات مستمرة بلا متابعة أو رقابة من وزارة البيئة، وبدون أي احترام للأراضي الطبيعية".
ويشير الجنوبي إلى المشاهد الصادمة للحيوانات التي ظهرت وهي مغطاة بالملوثات النفطية في المياه، ما يبرهن على خطورة الوضع، ويبين أن الضرر ليس مجرد تأثير بيئي، بل جريمة ضد الحياة البرية والطبيعة. وأضاف: "على المدى القريب أو البعيد، سيكون للأهوار نصيب من الدمار، والأضرار الإشعاعية والمياه الملوثة ستؤثر على خصوبة الأرض والحياة البرية، وستترك آثارًا يصعب تصحيحها".
خلال خمس عشرة سنة، لم تتوقف شركة سينوك عن تغيير ملامح البيئة في ميسان، تاركة وراءها أراضٍ جرداء، وحياة برية مهددة، وسكانًا محرومين من مواردهم الطبيعية، في مشهد يعكس هشاشة الرقابة البيئية، وأهمية التدخل العاجل لإنقاذ ما تبقى من الطبيعة.
ويقر مصطفى هاشم، ناشط بيئي من أهوار ميسان، بأن شركة سينوك الصينية تدير أغلب حقول النفط شرق العمارة، وتحديدًا في منطقة الطيب الحدودية مع إيران، ومنها حقول مثل بازركان وأبو غرب وغيرها. وأكد هاشم أن هذه الشركات لا تلتزم بالمحددات البيئية، مشيرًا إلى أن أي تسرب نفطي يستدعي سحب الرماد ونقله إلى مواقع مخصصة، لكن الشركات تتجاهل هذه الإجراءات، بل تقوم بطمر المخلفات في مكانها، وهو ما وصفه بأنه أشد خطورة من بقاء المخلفات على السطح.
وأشار هاشم في حديث مع "المدى"، إلى أنه ناقش هذا الأمر مع ممثلين عن وزارة البيئة، موضحًا أن لديهم دراسة أثر بيئي مفصلة للحقول وتوصيات واضحة، إلا أن وزارة النفط تتجاهل هذه التوصيات بالكامل. وأضاف أن فتح هذا الملف علنًا أمر مستحيل تقريبًا، إذ تُعد وزارة النفط أقوى وزارة في هذا السياق.
15 سنة من النشاط النفطي العشوائي تترك ميسان أرضًا جرداء!
نشطاء يفضحون ممارسات "سينوك" النفطية في ميسان

نشر في: 11 سبتمبر, 2025: 12:14 ص









