النجف/ عبدالله علي العارضي
تشهد الأوساط النجفية منذ أيام جدلاً واسعاً على خلفية تسريب مقطع فيديو من داخل جلسة مجلس محافظة النجف الخاصة بمناقشة أزمة تلوث مياه الشرب، وهو التسريب الذي فجّر سجالاً علنياً بين رئيس المجلس ونائبه، وتحول سريعاً إلى ساحة اتهامات وتصريحات متبادلة بين أطراف محلية، فيما ظل ملف المياه – القضية الأساس – رهين التجاذبات السياسية.
بدأت القضية حين نشر نائب رئيس المجلس، الدكتور غيث شبع، تسجيلاً مصوراً اتهم فيه بعض الجهات الحكومية بـ«تضليل الرأي العام» حول صلاحية مياه الإسالة الواصلة إلى المواطنين. تزامن ذلك مع تصاعد الاحتجاجات في النجف، ما دفع المجلس إلى عقد جلسة خاصة لمناقشة الموضوع.
لكن الجلسة لم تخلُ من التوتر، إذ قرر رئيس المجلس حسين العيساوي إيقاف التصوير داخل القاعة، وهو ما أثار غضب نائبه الذي هدد بمغادرة الاجتماع. الفيديو الذي تسرّب لاحقاً أظهر تفاصيل من هذه اللحظة، الأمر الذي أغضب رئيس المجلس، ليتهم مسرّبي التسجيلات بأنهم يسعون إلى «طشة انتخابية» على أعتاب الانتخابات البرلمانية المقبلة.
هذا المشهد انقسم حوله الشارع النجفي؛ فبينما اعتبر بعض المواطنين منع التصوير في جلسات تناقش قضايا تمس حياة الناس مساساً بحق الجمهور في المعرفة، رأى آخرون أن نشر التسريبات جاء بدوافع انتخابية لا أكثر. المواطن حسين المعموري قال لـ(المدى): «كمواطن من أبناء النجف الأشرف، أجد نفسي مضطراً للحديث بصوت عالٍ حول ما يجري داخل مجلس المحافظة في وقتٍ يعيش فيه المواطن النجفي أزمة حقيقية تهدد حياته وكرامته بسبب جفاف المياه والتلوث البيئي. هذه الكارثة لم تعد مجرد عناوين عابرة في الأخبار بل أصبحت واقعاً يومياً يواجهه الناس في بيوتهم وشوارعهم دون أن نرى حلولاً جادة أو خططاً عملية من المجلس». وأضاف المعموري: «إن أردنا تقييم أداء مجلس المحافظة خلال الفترة الماضية، فيمكن القول بصراحة إنه أداء باهت لا يرتقي إلى حجم التحديات. فالمجلس كثير الاجتماعات والحوارات، لكن نتائجه على أرض الواقع شبه معدومة. الناس لم تلمس تغييراً ملموساً في ملف الماء أو معالجة التلوث، ولا في بقية الملفات الخدمية مثل الطرق والصحة والنظافة. وكأن المجلس انشغل بالخلافات الداخلية أكثر من انشغاله بخدمة المواطنين». وختم حديثه قائلاً: «رسالتي للطرفين: لقد أضعتم البوصلة وانشغلتم بصراع على التسريبات وتركتم أهم ملف يهدد حياة النجفيين وهو ملف الماء والتلوث. إن خلافاتكم السياسية لن تروي عطش طفل ولن تنظف ماءً ملوثاً ولن تداوي مريضاً تضرر من البيئة المسمومة».
في المقابل، قدّم مراقبون للشأن السياسي رواية مغايرة، إذ اعتبر قتيبة ياسين العيساوي في حديثه لـ(المدى) أن الجلسة كانت مغلقة «وفق الأصول الإدارية»، موضحاً: «المجلس عقد جلسته الخاصة مع الدوائر الخدمية ذات العلاقة، وجرى التشديد على سرية النقاش لضمان سير المعالجة. لكن المؤسف أن أحد الأعضاء تجاوز هذه الأصول وقام بتصوير أجزاء من الجلسة دون تخويل رسمي، وهو ليس التصرف الأول من نوعه بل سبق أن كرر هذا السلوك في مناسبات سابقة، ما يعكس خلطاً بين الخدمة العامة والبحث عن الأضواء». أما الناشط السياسي والخبير القانوني ميثم الخلخالي فقد رأى أن ما جرى «يعكس هشاشة مجالس المحافظات وضعف تماسكها»، مشيراً لـ(المدى): «منذ عودة المجالس بعد انتخابات 2020 شاهدنا تناحرات وصراعاً على الظهور الإعلامي، دون أن يقابلها إنجاز حقيقي. في قضية النجف تحديداً، لم يوفق رئيس المجلس حسين العيساوي عندما وصف الجلسة بالسرية، فهي في الأصل جلسة تداولية معلنة وكان فيها إعلاميون ومصورون. وبالتالي لا يمكن اعتبار ما جرى تسريباً». وتابع الخلخالي: «إذا كانت تصريحات الدكتور غيث شبع حول تلوث المياه صحيحة فهذه كارثة تهدد حياة الناس، أما إذا كانت غير صحيحة فالمجلس يستطيع اللجوء إلى القضاء ورفع دعاوى ضده. لكن ما عدا ذلك، فإن تحويل النقاش إلى جدل حول التصوير والتسريب هو إلهاء للرأي العام عن أصل المشكلة».
وبينما يستمر الجدل بين المسؤولين والمواطنين، تبقى الأزمة المائية في النجف من دون حلول ملموسة، فيما يطالب الشارع النجفي بإجابات واضحة وخطط عملية بدلاً من تبادل الاتهامات والبحث عن «طشات انتخابية».










