محمد العبيدي/ المدى
أثارت حملة أمانة بغداد الأخيرة لإزالة التجاوزات والأسواق غير النظامية جدلاً واسعاً بين المواطنين بعد أن شملت أسواقاً شعبية كبرى، في إطار المرحلة الثانية من حملة "بغداد أجمل".
وبينما اعتبرها البعض خطوة حضارية لإعادة النظام إلى الفضاءات العامة، أبدى آخرون تخوفهم من انعكاسها على مصادر رزق آلاف الباعة الذين اعتاشوا لعقود على هذه الأسواق العشوائية.
وشملت الحملة في الأيام الماضية إزالة سوق الحي بمدينة الصدر، الذي ظل لعقود واحداً من أكبر التجمعات التجارية غير المنظمة، وأدى إلى إغلاق طرق رئيسية وتفاقم المشهد الفوضوي داخل الأحياء.
كما طالت الإجراءات سوق الآثوريين في منطقة الدورة جنوب بغداد، وهو من أبرز الأسواق التي تداخلت مع الطرق العامة، مسببةً ازدحامات خانقة وتعطيل حركة السير، إضافةً إلى أسواق أخرى في ناحية الرشيد. وظهرت صور الحملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مظهرةً آليات الأمانة وهي تزيل الأكشاك والبسطات وسط حضور أمني وميداني مكثف.
هذه الإجراءات ليست الأولى من نوعها، إذ اعتادت الحكومات المتعاقبة على إطلاق حملات مشابهة، غير أن معظمها كان يقتصر على رفع البسطات بشكل مؤقت من دون إيجاد بدائل حقيقية للباعة. وغالباً ما كانت تلك الحملات تنتهي بموجات من الاحتجاج والاستياء الشعبي بسبب غياب رؤية متكاملة تنظم العلاقة بين حق الدولة في فرض القانون وحق المواطنين في كسب رزقهم.
وفي هذا السياق، أكد مدير عام دائرة العلاقات والإعلام في أمانة بغداد محمد الربيعي أن "الحكومة وضعت لأول مرة حلولاً عملية وبدائل متكاملة لهذه الأسواق، بعيداً عن النهج السابق الذي كان يكتفي بالإزالة دون توفير مواقع بديلة".
وقال الربيعي لـ(المدى) إن "الحكومة العراقية، عبر مكتب رئيس الوزراء وأمانة بغداد والوكيل البلدي، عقدت اجتماعاً مع بلديتي الشعب والصدر الأولى، وتم التوصل إلى تخصيص موقع بديل لسوق شلال على قطعتي أرض تابعتين لوزارة المالية بمساحة إجمالية تصل إلى ثمانية دونمات، بعد استدعاء ممثل الوزارة لتخصيص هذه الأراضي بشكل رسمي".
وأوضح أن "دائرة التصاميم أنجزت مخططاً يتضمن محلات بمساحة (2×2 م)، وبحسب جرد بلدية الشعب ستبلغ المحلات أكثر من (448) محلاً أو دكاناً ستؤجر بإيجارات بسيطة، تحت إشراف أمانة بغداد ودائرة المشاريع التي ستتولى أعمال البناء"، مبيناً أن "هذه المحلات ستكون بديلاً منظماً لأصحاب السوق الحالي، وستفتح الشوارع المغلقة منذ أكثر من عشرين عاماً، مع توفير وحدات صحية، وأربع مداخل رئيسية من الشمال والجنوب والشرق والغرب، فضلاً عن منافذ نظامية للبضائع وإجراءات وقائية ضد الحرائق".
ورغم هذه الوعود، ما زال القلق يسيطر على عدد كبير من الباعة الذين يخشون فقدان مصدر رزقهم قبل أن تترجم البدائل على أرض الواقع. ويقول مواطنون إن التجارب السابقة علمتهم أن الإزالة قد لا ترافقها حلول سريعة، ما يجعل العائلات تعيش فترات صعبة في ظل ارتفاع معدلات البطالة.
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي داود الحلفي أن "حملات إزالة الأسواق والمجمعات العشوائية تمثل إجراءً صحيحاً وإن جاء متأخراً بعد نحو عقدين من انتشارها"، مشدداً على أن "هذه الظاهرة حرمت المواطنين من المرافق الحيوية والخدمات العامة، وحولت الكثير من المساحات المخصصة للمستشفيات والمدارس والمتنزهات إلى بؤر للفوضى والعشوائية".
وأضاف الحلفي لـ(المدى) أن "مسؤولية الحكومة تكمن في توفير بدائل قدر الإمكان، سواء اقتصادية أو خدمية، غير أن غياب البديل لا يعني استمرار المخالفات"، موضحاً أن "من يرغب بممارسة نشاط تجاري يمكنه استئجار محل ضمن السياقات القانونية أو الاندماج بالأسواق المنظمة".
وتشير أرقام نقابة العمال في العراق إلى أن عدد العاطلين يقترب من 15 مليون شخص، فيما لا يتجاوز عدد المستفيدين من الضمان الاجتماعي 950 ألفاً، وهو ما يعكس حجم الفجوة بين حاجة السوق للعمل وضعف الدعم الرسمي.
بغداد تفتح جرح الأسواق العشوائية.. الإزالة بدأت من دون توفير بدائل

نشر في: 14 سبتمبر, 2025: 12:02 ص









