السليمانية / سوزان طاهر
على مدى عقود، وجدت الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة لطهران ملاذاً في تضاريس إقليم كردستان الوعرة، وتناثرت في مخيمات بعيدة نسبياً عن متناول النظام الإيراني، لكنها لم تكن يوماً خارج دائرة اهتماماته.
بنى هؤلاء المقاتلون وعائلاتهم حياة جديدة، في ظل تسامح حكومة متعاونة معهم، وتحت أنظار القوى الدولية، لكن هذا التوازن الهش بات اليوم مهدَّداً من جديد.
في 24 نيسان/أبريل، أصدرت مستشارية الأمن القومي العراقية، التابعة لمجلس الوزراء، قراراً يحظر جميع أنشطة الأحزاب والجماعات الإيرانية المعارضة الموجودة على الأراضي العراقية.
الوثيقة التي وقعها مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، وجَّهت القوات الأمنية والعسكرية وهيئة المنافذ الحدودية وحكومة إقليم كردستان باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ القرار، بما يشمل إغلاق مقار الجماعات الإيرانية المعارضة، ومنع أي نشاط سياسي أو إعلامي أو عسكري لها على الأراضي العراقية، والأهم من ذلك حظر استخدام الأراضي العراقية كمنصة للتحريض أو شنّ هجمات ضد إيران.
وبدأت حكومة إقليم كردستان بالتحرك تجاه الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة لحكومة طهران وتجميعهم في مخيمات، مما أثار استياء القيادات العسكرية للمعارضة، لا سيما وأن حكومة الإقليم أوصلت رسالة بأنها غير قادرة على حمايتهم من الآن فصاعداً.
ومع اشتداد الصراع بين إسرائيل وإيران، تعتبر الأحزاب الكردية المعارضة هذه الحرب بمثابة فرصة للتحرك، واستغلال الوضع، ومحاولة تنفيذ عمليات في الداخل الإيراني.
تم تسليم الأسلحة الثقيلة
لكن عضو الاتحاد الوطني الكردستاني صالح فقي ينفي وجود أي نشاط للأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة على الحدود مع الإقليم.
ولفت خلال حديثه لـ"المدى" إلى أن "الأحزاب الكردية المعارضة تعيش في المخيمات، وتم تسليم أسلحتهم الثقيلة إلى الأجهزة الأمنية العراقية وأجهزة أمن الإقليم، ولا يحملون سوى أسلحة بسيطة للحماية الشخصية".
وأضاف أن "هذه الأحزاب تمارس نشاطاً مدنياً، ولا يوجد لها أي تحرك عسكري إطلاقاً، ولا نسمح بأي اعتداء على دول الجوار، وخاصة إيران التي تربطنا معها علاقات وطيدة، ونحترم مساعدتها لنا على مدى السنوات الماضية، سواء في أيام نظام صدام حسين أو في الحرب على داعش".
ونفى مصدر في معبر باشماخ الحدودي مع إيران وجود أي نشاط مسلح قريب من المعبر، مؤكداً أن جميع من يسافر عبر هذا المعبر يخضع للإجراءات الرقابية المشددة.
وبيَّن في حديثه لـ"المدى" أن "هناك انتشاراً أمنياً مكثفاً من قبل قوات حرس الحدود وقوات البيشمركة الكردية وقوات الشرطة المحلية، ولا تستطيع أي جهة تهريب السلاح أو ممارسة نشاط مسلح عبر المنافذ الرسمية".
في عام 2023، وقَّع العراق وإيران اتفاقاً أمنياً يقضي بنزع سلاح الجماعات الكردية الإيرانية وإغلاق قواعدها الحدودية ونقلها إلى مخيمات خاضعة لإشراف الحكومة العراقية داخل الإقليم. وقد تم تنفيذ بعض بنود الاتفاق، لكن دون أن يشمل القرار حظراً شاملاً على تلك الجماعات.
حظرٌ جديد
ويرى قادة المعارضة الكردية الإيرانية أن الحظر الجديد يمثل انتهاكاً للاتفاقات السابقة والتفاهمات الدولية.
ويصف خليل نادري، المتحدث باسم حزب حرية كردستان الإيراني، القرار بأنه "حرب نفسية" تشنها طهران.
وحذّر نادري من أن استمرار الضغوط قد يدفع الأحزاب إلى إعادة النظر في التزاماتها.
وأضاف: "لقد أوقفنا نشاطنا العسكري منذ سنوات، احتراماً لقوانين الإقليم وحماية له من الهجمات الإيرانية، لكن النظام الإيراني يسعى لخلق توتر بيننا وبين الإقليم، لكنه سيفشل".
يوجد حالياً نحو عشرة أحزاب كردية إيرانية معارضة تنشط في إقليم كردستان، من بينها الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني (حدكا)، وأجنحة حزب كومله الثلاثة، وحزب حرية كردستان (PAK)، وحزب الحياة الحرة الكردستاني (PJAK)، وفصائل أخرى. وتتمتع العديد من هذه الأحزاب بدعم شعبي واسع داخل كردستان الإيرانية.
الإقليم يرفض وجود النشاط المسلح
من جانب آخر يؤكد عضو برلمان إقليم كردستان عن الحزب الديمقراطي الكردستاني سعيد مصطفى أنه ليس من مصلحة الإقليم وجود أي نشاط مسلح لأحزاب من دول أخرى، سواء تركية أو إيرانية.
ويضيف في حديثه لـ"المدى" أن "هذه الأحزاب ومن خلال نشاطها المسلح والعسكري تريد إقحام الإقليم في مشاكل هو في غنى عنها، فنحن نمتلك علاقات طيبة مع الأتراك والإيرانيين، ويمكن لهؤلاء أن يعارضوا معارضة سلمية فقط".
وأشار إلى أنه "بعد حل مشكلة حزب العمال الكردستاني مع تركيا، فإن هناك فرصة لإحلال السلام بين الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة والسلطات في طهران، ويمكن حل جميع المشاكل بالتفاهم، كون مشكلة حزب العمال كانت أعقد".
وأردف بأن "حكومة الإقليم لم ولن تسمح باستخدام أراضي الإقليم لإيذاء أو الاعتداء على دول الجوار، وهناك تأمين كامل للشريط الحدودي بين كردستان وإيران، مع نصب منظومات مراقبة لا تسمح بتحرك العناصر المسلحة".
وبحلول نهاية عام 2024، قدّرت مصادر غير رسمية عدد اللاجئين الكرد الإيرانيين في إقليم كردستان بنحو 35 ألف لاجئ، معظمهم من النساء والأطفال.
وتعرض إقليم كردستان نهاية شهر أيلول/سبتمبر 2022، إلى قصف بـ73 صاروخاً بالإضافة إلى طائرات مسيّرة استهدفت مقار الأحزاب الإيرانية المعارضة في الإقليم، وقد تسبب القصف بمقتل 13 شخصاً وإصابة 58 آخرين، كما سقطت بعض الصواريخ قرب المدارس ما تسبب بحالة من الهلع لدى الأطفال.
تواجد في المخيمات
من جهة أخرى شدد الخبير الأمني ريباز أحمد على أن الأحزاب الكردية المعارضة متواجدة في المخيمات في أربيل وبنجوين وإدارة رابرين، ونشاطها دبلوماسي مدني فقط، ولكن هناك حجج لدى الآخرين واتهامات ومعلومات غير صحيحة هدفها استهداف الإقليم فقط.
وأوضح في حديثه لـ"المدى" أن "تلك الأحزاب لا تستطيع التحرك بسهولة، كون الشريط الحدودي مؤمَّناً من الجهتين، فهناك انتشار كبير للحرس الثوري الإيراني ومنظومات مراقبة متطورة وطائرات مسيّرة على طول الشريط الحدودي في مناطق مريوان وسنندج وهورامان".
فضلاً عن تأمين الشريط الحدودي من جانب الإقليم بانتشار حوالي ثلاثة آلاف من قوات حرس حدود المنطقة الأولى التي تنتشر على طول الشريط الحدودي، تساندها قوات البيشمركة، ومع منظومات مراقبة متطورة جداً.
ما حقيقة وجود تحركات عسكرية للأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة في الاقليم؟

نشر في: 14 سبتمبر, 2025: 12:13 ص









