TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > سجن ثورة العشرين في الرميثة.. صرخة التاريخ تحت وطأة الإهمال

سجن ثورة العشرين في الرميثة.. صرخة التاريخ تحت وطأة الإهمال

نشر في: 15 سبتمبر, 2025: 12:03 ص

 المدى/خاص

على الطريق المؤدي إلى قلب الرميثة بمحافظة المثنى، يقف مبنى متداعٍ، جدرانه متشققة، أبوابه مهملة، وأحجاره تنطق بصرخة عمرها أكثر من قرن. إنه "سراي الرميثة"، المعروف تاريخياً بسجن ثورة العشرين، المكان الذي شهد اعتقال القائد شعلان أبو الجون، واطلاق شرارة واحدة من أعظم الانتفاضات العراقية ضد الاحتلال البريطاني.

لكن هذا الرمز الوطني، الذي دفع بدماء الثوار نحو الاستقلال، يواجه اليوم مصيراً مختلفاً: الانهيار تحت وطأة الإهمال. وبينما تتلاشى ملامحه شيئاً فشيئاً، يرتفع صوت الأهالي والمثقفين: “أنقذوا الذاكرة قبل أن يبتلعها الخراب.”
مدير آثار وتراث المثنى، سلوان الأحمر، يقر بخطورة الوضع، لكنه يؤكد أن هناك مساعٍ قائمة. يقول لـ(المدى): "أدرجنا سراي الرميثة ضمن مشاريع الترميم، وأعددنا الكشوفات والمخططات اللازمة، وتم رفعها للهيئة العامة للآثار والتراث بانتظار التمويل. خطتنا أن يتحول السراي بعد التأهيل إلى متحف يوثق ثورة العشرين ورجالاتها".
لكن بين الورق والواقع، يظل الزمن يمضي، والجدران تتآكل. الأهالي يخشون أن يلقى السراي مصيرَ مواقع تاريخية أخرى ابتلعها الإهمال والوعود المؤجلة.
الباحث التاريخي مصطفى الغزي يستعيد تفاصيل البدايات، قائلاً: "المصادر تشير إلى أن المبنى شُيّد بين عامي 1916 و1919، والأرجح أنه اكتمل عام 1919. بعد الثورة هُدم، ثم أعادت الحكومة العراقية بناء السراي الحالي عام 1926 في الموقع ذاته".
الغزي يوضح في حديثه لـ(المدى): "إن المثنى تزخر بمبانٍ مشابهة ارتبطت بتاريخها الثوري، مثل مخفر الخناق وسط السماوة، ومخافر السلمان وأبوغار وبصية، التي شُيدت مطلع القرن الماضي لحماية البادية. لكنه يحذر من أن غياب الاهتمام الكافي يهدد باندثار هذه المواقع تباعاً، لتبقى حاضرة في الكتب فقط لا على الأرض."
بالنسبة إلى جاسم راجوج، حفيد القائد شعلان أبو الجون، القضية أبعد من ترميم مبنى. يقول بصوت حاد: "هذا السراي ليس حجارة متهالكة، إنه رمز دماء سالت لأجل الحرية. طالبنا معظم رؤساء الوزراء بترميمه، لكن الملف ضاع بين المحاصصة والأحزاب. رئيس الوزراء الحالي وعد خيراً، وإذا لم يفِ، سنتكفل نحن العشائر بإعادة تأهيله على نفقتنا".
راجوج يحذر من: "محاولات بعض المستثمرين هدم المبنى وتحويله إلى مشاريع خاصة". مؤكداً أن: "ذلك سيكون جريمة بحق تاريخ العراق".
أحمد الركابي، شاب من أبناء الرميثة، يصف المشهد قائلاً: "كلما مررنا قرب السراي، شعرنا أن المكان يطلب النجدة. لا يعقل أن يكون موقع بهذه القيمة مهدداً بالسقوط بينما تُصرف الأموال على مشاريع ثانوية.
أما الناشط المدني حسين العبودي، فيرى أن المسؤولية جماعية: "إنقاذ السراي واجب وطني. هذا المبنى لا يخص الرميثة فقط، بل العراق كله. إذا ضاع، ضاع جزء من هويتنا".
وتضيف الأديبة فاطمة الظالمي بلهجة حزينة: "إهمال السراي يعني إهمال الذاكرة. نحن بحاجة لأن يرى أبناؤنا بأعينهم أين اعتُقل الثوار، لا أن يقرؤوا عنهم فقط في الكتب. المبنى يجب أن يكون متحفاً ومدرسة مفتوحة للتاريخ".
الحكومة المحلية في الرميثة أعلنت هي الأخرى نيتها التعاون مع مفتشية الآثار لإعادة تأهيل المبنى، وتحويله إلى متحف يضم جناحاً خاصاً بشهداء القضاء، واعتبرت أن المشروع "سيعيد للمدينة مكانتها التاريخية، ويجعلها وجهة ثقافية وسياحية". لكن، حتى اللحظة، تبقى الخطط معلقة والميزانيات محدودة، فيما يزداد خطر انهيار المبنى يوماً بعد يوم.
اليوم، وبعد أكثر من قرن على ثورة العشرين، يبدو أن سراي الرميثة بحاجة إلى "ثورة" أخرى، لكن هذه المرة ضد الإهمال والنسيان. فالمبنى الذي واجه جيوش الاحتلال، يواجه الآن صراعاً مع الزمن.
سجن الرميثة، المعروف تاريخياً بسجن ثورة العشرين، شهد اعتقال القائد شعلان أبو الجون، وأصبح رمزاً من رموز الانتفاضات العراقية ضد الاحتلال البريطاني. المبنى أُنشئ بين 1916 و1919، وأُعيد بناؤه عام 1926 بعد الثورة، ليصبح مركزاً لإدارة المحافظة وسجن الثوار.
الأهالي والمثقفون في الرميثة يعتبرون السراي رمزا وطنياً يجب الحفاظ عليه. غياب الاهتمام الرسمي يهدد بانهياره، وهو ما دفع بعض أبناء العشائر والمثقفين للضغط على السلطات لترميمه وتحويله إلى متحف يروي تاريخ ثورة العشرين للأجيال القادمة.
في وقت سابق، أعلنت الحكومة المحلية نيتها التعاون مع مفتشية الآثار لإعادة تأهيل السراي، لكن المشروع ما زال معلقاً بسبب ضعف التمويل والميزانيات المحدودة، فيما يواجه المبنى خطر الانهيار يومياً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا حسم في

لا حسم في "الإطار": الملف البرتقالي يخرج بلا مرشحين ولا إشارات للدخان الأبيض

بغداد/ تميم الحسن أصبح "الإطار التنسيقي" يبطئ خطواته في مسار تشكيل الحكومة المقبلة، بانتظار ما يوصف بـ"الضوء الأخضر" من واشنطن، وفق بعض التقديرات. وفي المقابل، بدأت أسماء المرشحين للمنصب الأهم في البلاد تخرج من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram