TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > سُلّم الرواتب يثير قلق الموظفين وآمالهم.. ملف مؤجل إلى ما بعد الانتخابات

سُلّم الرواتب يثير قلق الموظفين وآمالهم.. ملف مؤجل إلى ما بعد الانتخابات

نشر في: 15 سبتمبر, 2025: 12:07 ص

 المدى/خاص

منذ سنوات طويلة يشغل ملف تعديل سلم الرواتب الرأي العام العراقي، بوصفه أحد أبرز القضايا المرتبطة بالعدالة الاجتماعية داخل مؤسسات الدولة. ورغم كثرة الوعود الحكومية والنيابية بإنهاء التفاوت الكبير بين الوزارات والهيئات المستقلة، إلا أن هذا الملف يبدو مؤجلاً مرة أخرى، وهذه المرة إلى ما بعد الانتخابات المقبلة المقررة في تشرين الثاني المقبل.

تأجيل جديد بانتظار الحكومة المقبلة
النائب مختار الموسوي أكد في حديث تابعته (المدى) أن "تعديل سلم الرواتب يُعد من الملفات المهمة التي تقع مسؤوليتها على عاتق الحكومة"، مرجحاً تأجيل البت فيه إلى ما بعد الانتخابات المقبلة.
وأوضح الموسوي أن "سلم الرواتب حق مشروع يهدف إلى إنهاء حالة التمايز في الرواتب والمكافآت بين الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية، وخلق عامل العدالة والإنصاف بين جميع موظفي الدولة من خلال اعتماده على الشهادة والخدمة والمناصب، وهو أمر معمول به في معظم دول العالم". وأشار إلى أن "المضي بهذا القانون يتطلب تعديل بعض القوانين الأخرى، ونظراً لقرب الانتخابات نتوقع أن يُؤجل الملف إلى الحكومة المقبلة، خاصة وأن حسمه يحتاج إلى دعم نيابي فيما يخص القوانين الواجب تعديلها أو استبدالها لتتلاءم مع تطبيق سلم الرواتب".

الفجوة بين الموظفين
لا يقتصر النقاش على الجانب التشريعي، بل يفتح الباب على اتساعه للحديث عن التفاوت الكبير في الرواتب بين الوزارات. فالموظف في وزارة التربية مثلاً يتقاضى راتباً يقل كثيراً عن نظيره في وزارة النفط أو بعض الهيئات المستقلة، رغم أن سنوات الخدمة أو الشهادة قد تكون متقاربة.
هذا الواقع، بحسب مراقبين، أدى إلى خلق حالة من الإحباط الوظيفي لدى عشرات الآلاف من الموظفين، ودفع بعضهم إلى البحث عن وظائف أخرى خارج القطاع العام أو الهجرة إلى الخارج.

رؤية الخبراء الاقتصاديين
الخبير الاقتصادي طه الجنابي قال لـ(المدى) إن "تطبيق سلم الرواتب بشكل عادل يسهم في تقليص الفوارق الكبيرة بين موظفي الدولة، ويعالج التفاوت غير المبرر الذي تسببت به التشريعات المتفرقة طيلة السنوات الماضية".
وأضاف الجنابي أن "العدالة في الرواتب لا تعني بالضرورة زيادة النفقات العامة للدولة إذا ما جرى ربطها بإصلاحات مالية متوازنة، منها إعادة النظر بالامتيازات المفرطة، وتوحيد المخصصات، وضبط الإنفاق التشغيلي الذي يستنزف الموازنة العامة".
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي محمد الكبيسي أن "الملف يتجاوز كونه مجرد قضية مالية إلى كونه قضية اجتماعية – سياسية بامتياز". ويضيف في حديثه لـ(المدى): " اي محاولة لتأجيل تعديل سلم الرواتب ستُبقي حالة التفاوت قائمة، وهو ما يولّد شعوراً متراكماً بالظلم بين فئات واسعة من الموظفين، لاسيما في قطاعات حيوية مثل التربية والصحة. يجب النظر إلى هذا التعديل بوصفه استثماراً في الاستقرار الاجتماعي، وليس مجرد عبء مالي". ويشير الكبيسي إلى أن "الإصلاح الحقيقي يكمن في توحيد أسس الرواتب لتستند إلى معايير موحدة مثل الشهادة، سنوات الخدمة، وطبيعة العمل، مع تقليص الاعتماد على المخصصات المتفاوتة التي أنتجت فجوات ضخمة بين الموظفين".

صوت الموظف.. انتظار بلا نهاية
بينما يدور النقاش في أروقة السياسة والاقتصاد، يعيش الموظف العراقي بين قلق وأمل. يقول أحمد سلمان، وهو موظف في مديرية تربية بغداد منذ 12 عاماً، لـ(المدى): "راتبي لا يكفي لتغطية مصاريف أسرتي، رغم أنني أحمل شهادة بكالوريوس ولي خدمة طويلة. عندما أقارن نفسي بزملاء آخرين في وزارات أخرى، أجد أن الفارق قد يتجاوز أحياناً ثلاثة أضعاف، رغم أننا متساوون في المؤهلات".
ويضيف أحمد: "نحن لا نطالب بزيادة الرواتب بشكل مبالغ فيه، بل فقط بتشريع قانون عادل ينصف الجميع ويضع الموظف في مكانه الطبيعي، بعيداً عن الامتيازات غير المبررة لبعض الفئات. تعديل سلم الرواتب هو حق وليس منّة".

خلفيات ومحاولات سابقة
ملف سلم الرواتب ليس جديداً على الساحة العراقية. فقد طرحت وزارة المالية في عام 2021 مقترحات لتعديله، لكن تلك المحاولة قوبلت برفض واسع من قبل بعض الفئات المستفيدة من المخصصات العالية، الأمر الذي أدى إلى تجميده.
وبحسب تقارير رسمية، فإن التشريعات المتفرقة التي صدرت بعد 2003 أسهمت في تكريس حالة التباين بين موظفي الدولة، حيث مُنحت بعض الوزارات والهيئات امتيازات خاصة، فيما بقيت وزارات أخرى تعاني من ضعف الرواتب.
ويرى مختصون أن هذا التباين كان له أثر مباشر في تراجع أداء المؤسسات الحكومية، إذ فقد الموظفون في بعض القطاعات حافزهم للعمل، بينما تشجع آخرون على السعي وراء التعيين في وزارات ذات مخصصات أعلى، ما خلق حالة من عدم التوازن في توزيع القوى العاملة.

أبعاد اجتماعية وسياسية
يربط مراقبون بين استمرار تأجيل الملف وبين طبيعة التوازنات السياسية التي تتحكم بالقرارات الحكومية. فبعض الكتل السياسية تتجنب طرح تعديل شامل لسلم الرواتب خشية فقدان تأييد فئات مستفيدة من الوضع الحالي.
في المقابل، يعتقد خبراء أن تأجيل الملف حتى ما بعد الانتخابات قد يحوله إلى ورقة انتخابية تستخدمها بعض القوى لاستمالة أصوات الموظفين الذين يشكلون شريحة واسعة من المجتمع العراقي.

العدالة الوظيفية مطلب مستمر
يُجمع الموظفون والخبراء على أن تحقيق العدالة الوظيفية يجب أن يكون أولوية لأي حكومة مقبلة، لما له من أثر مباشر في تحسين الأداء الحكومي، وتقليل الفساد، وتعزيز ثقة المواطن بالدولة.
ويرى الكبيسي أن "الإصلاح المالي في العراق لن يكون مكتملاً من دون إعادة هيكلة سلم الرواتب. فهذا الملف يمثل العمود الفقري للسياسة المالية الداخلية، وأي تلكؤ فيه يعني استمرار نزيف الموارد في مسارات غير عادلة".

مستقبل الملف
رغم وضوح الحاجة إلى تعديل عاجل، إلا أن المعطيات السياسية تشير إلى أن الملف سيبقى مؤجلاً حتى تتشكل حكومة جديدة بعد الانتخابات. ومع ذلك، يبقى الأمل معقوداً على أن يجد طريقه إلى التطبيق بعد سنوات من الانتظار.
الموظف أحمد سلمان يلخص الموقف بقوله: "نحن ننتظر منذ سنوات، ومللنا من الوعود. لا نريد أن يكون ملفنا مجرد شعار انتخابي. نريد قانوناً عادلاً يحترم تعبنا وشهاداتنا وخدمتنا".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

مقالات ذات صلة

لا حسم في

لا حسم في "الإطار": الملف البرتقالي يخرج بلا مرشحين ولا إشارات للدخان الأبيض

بغداد/ تميم الحسن أصبح "الإطار التنسيقي" يبطئ خطواته في مسار تشكيل الحكومة المقبلة، بانتظار ما يوصف بـ"الضوء الأخضر" من واشنطن، وفق بعض التقديرات. وفي المقابل، بدأت أسماء المرشحين للمنصب الأهم في البلاد تخرج من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram