بقلم / فخري كريم انشغل مجلس النواب خلال الأسبوع الماضي، بالتحضير لجلسة تضييف رئيس الوزراء. وشكل المجلس لجاناً لتقصي مطالب المتظاهرين، والتحقق من أن المطالب المفترضة، خرجت بأصواتهم ، كما انها جاءت متطابقة في كل المحافظات، وفي جمع " الغضب" " والعتب" " والندم".بلا تراجع او تغيير، لأهمية كل ملاحظة في تغيير الأولويات في التقرير الذي سيطرح للنقاش لاتخاذ التدابير المطلوبة للتوثق من إمكانية الاستجابة لها.!
ورغم عدم نشر ذلك ، الا ان من المحتمل ان لجنة أخرى شكلت، دون إعلان عنها لإحصاء جموع المتظاهرين، وتصنيف انتماءاتهم وتثبيت المعلومات المتوفرة والإيعاز باستكمالها، وتحديد مستوى الملاحقة او المساءلة او اية تدابير أخرى، يفترض التوصية باتخاذها من قبل الحكومة او الأجهزة التابعة لها، ضد الأفراد او الأحزاب والقوى المسؤولة او المتواطئة مع المتظاهرين.وأكاد اجزم ان هذه اللجنة الأكثر نشاطاً من غيرها بحكم مسؤولية أعضائها عن الحكومة واستمراريتها، أوعزت باتخاذ تدابير أخرى كما تفعل جميع الحكومات، ولكن ليست الحكومات التداولية التي ترى أن من مصلحتها النظر بعيداً في الموقف من ناخبيها، ومن هذه التدابير العمل على كسب العناصر الأكثر تأثيراً في الشغب المنفلت، بالوسائل المعروفة ايضاً.واذا ما تابعنا وقائع تضييف السيد رئيس الوزراء في مجلس النواب، والأسلوب الذي أدير به الاجتماع، باقتصاره على رؤساء الكتل، وما تمخض عن التضييف، لأمكن الاستنتاج بان لجنة" التحقق والمتابعة" نجحت بامتياز في الجولة الأولى، واستطاعت، باستثناء بعض الأصوات المشاغبة من البرلمانيين، ان تظهر توافقاً بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، كأفضل ما يكون عليه التوافق ، في ظروف المحاصصة والمشاركة التي تسود، ويستحيل الانحراف عنها من اي طرف كان، دون ان ينهد البنيان على الجميع، وتضيع مكاسب ومنجزات المشاركة التي لم تتحقق الا باجتراع المعجزات.والملفت والمثير للتساؤل، ان البرلمان المنتخب، بعد سنوات العذاب والمحنة الحياتية والمعيشية التي اكتوى بنيرانها،الناخبون، لم يستطع ملامسة حواف تلك المحنة، ولا حتى تشخيصها، ناهيك عن تدارس سبل معالجتها، فهل أكثر من هذا إضفاءً للشرعية على المظاهرات واذكاءً لها، وتحفيزها على الاستمرار!لم تشاهد السيدات ولا السادة النواب ،اللافتات والشعارات التي رفعها المتظاهرون في جميع المحافظات، والاهازيج التي انطلقت بها حناجرهم، وهي كلها كانت موضع رقابة حكومية وأمنية وبرلمانية، من شرفات ومواقع أخرى تطل على المتظاهرين، ويجري التشاور بين المجتمعين على تلك الشرفات لما ينبغي اتخاذه من موقف حسب ما يقتضيه التطور في اي مظاهرة، ومدى تجرؤها على تجاوز الخطوط الحمر ، غير المسموح بها، ومستوى ما تستحقه سواء من خراطيش مياه ام قنابل دخان ام رصاص حي. مع ان العالم المهتم بما يدور في العراق تابع تفاصيلها كما تابعها العراقيون من شاشات التلفزة . ولم يفت البغداديين اقتناص لحظة التطور الدرامي في ساحة التحرير، حيث هاجمت جموع من مسلحين بالهراوات وغيرها المتظاهرين العزل، لا ذنب لهم سوى مشاركتهم النشيطة في العملية السياسية ، وتخوفهم من اعتماد الحكومة على البعثيين الذين لم يتخلوا عن " الثقافة " المعادية للشعب ، وما يرتبط بها من أساليب القمع والقتل والملاحقة. وقد توقع المتابعون لمشهد ما يجري في ساحة التحرير تحت " نصب الحرية"ان الشعار " الاستفزازي" الذي رفعته جماعة تسللت الى المظاهرة في ساحة التحرير، من تيار حليف في الحكومة ومؤسس للتحالف الوطني، سيضع" لجنة الشرفة" مضطرة للإيعاز بتفريق شمل المظاهرة وتأديبها.هل يغفر النواب لأنفسهم هذا الإهمال لما يجري في محافظاتهم، وما يعاني منه ناخبوهم، لكي يبددوا كل هذا الجهد والوقت، لتحديد مطالب المتظاهرين، ويتبادلوا الرأي فيما بينهم لتشخيص أولوياتها، ثم يخرجوا بتقريرهم الذي تمخض عن هذا الهزال!. لقد تفتقت قرائح الساسة في بلادنا، لتوصيف حالتنا السياسية،باعتبار ديمقراطيتنا " توافقية" ، لكن هذه الوصفة تحتاج يومياً الى نحت تسميات وشروح لتفصيلاتها. فالنقاشات بين الكتل تستنفد جل الوقت للاتفاق عن تضييف رئيس الوزراء أو هذا الوزير وذاك، أو استدعائه للمساءلة. وهل يجوز استقدام اي مسؤول وزيراً كان ام غيره بموافقة رئيس الوزراء ام بدون موافقته ؟ وستستمر هذه المعضلة المستعصية، ما دام تركيب البرلمان مبنياً، هو الآخر على المحاصصة، ويتحكم بقراراته نخبة القادة من داخل البرلمان ومن خارجه،وعسى أن لا يحتاج بعضها الى قرارٍ من الخارج.كيف يمكن تعزيز الممارسة الديمقراطية، وتحويلها الى ثقافة، بل وعادة لمواطنينا، وهم يرون برلمانهم المنتخب، يراوح في مكانه ، ويستهين بمعاناتهم، ويظهر جهله بها، ويبدو في مثل هذا الظرف ، حيث تتصاعد احتجاجاتهم ، على حال غياب تام عن كل ما يحتاجه انسان، لا تستباح كرامته وآدميته، صورة مكبرة للحكومة نفسها، يتبادل معها الأدوار؟إن الاستنتاج الوحيد الذي قد يخرج به المواطن وهو يتابع جلسات مجلس النواب، خصوصاً التضييفية منها، ان نوابه او جلهم لا يعيشون في العراق، او أن عوائلهم هي التي تعيش خارج العراق، اما هم فالكهرباء وكل وسائل الحياة الكفيلة بترفيههم،تتوفر لمن يواف
الافتتاحية :لجان "التحقق" من أصوات المتظاهرين
نشر في: 13 مارس, 2011: 11:27 م