ترجمة/ المدى
في تقرير جديد صدر مؤخراً عن مركز الأبحاث الإنسانية (HRL) للصحة العامة في جامعة ييل، حذّر خبراء من أن المدنيين في مدينة الفاشر في السودان «لا يجدون أماناً في البقاء ولا إمكانية للهروب»، بعد توثيق قصف شامل، وارتفاع أعداد القتلى، والحصار شبه الكامل لعاصمة شمال دارفور.
بين 30 آب و10 أيلول، أكدت صور الأقمار الصناعية وقوع أكثر من 50 حالة قصف في مخيم أبو شوك للنازحين، من بينها 22 ضربة استهدفت سوق نيفاشا. وقيّم المعمل أن الرقم الحقيقي أعلى بكثير من المعلن نظراً لكثافة المخيم.
كما تتبّع المعمل ارتفاعاً في عدد الوفيات، حيث رُصدت 190 قبراً جديداً في مقبرة الرحمة خلال أقل من ستة أسابيع، إلى جانب 50 دفناً إضافياً قرب قاعدة «اليوناميد» السابقة.
وأشارت تقارير مفتوحة المصدر إلى مقتل ما لا يقل عن 18 شخصاً بقصف مدفعي في 1 أيلول، وعشرات آخرين في 3 أيلول، فيما احتاج نحو 150 مدنياً إلى رعاية طبية بسبب إصابات مرتبطة بالصراع بين 31 آب و3 أيلول. كما أُفيد بوفاة أطفال في الملاجئ بسبب الإسهال المائي الحاد والجوع.
حصار قوات الدعم السريع والانتهاكات
قامت قوات الدعم السريع بتوسيع السواتر الترابية بمقدار سبعة كيلومترات منذ أواخر آب، تاركةً فقط فجوتين صغيرتين في طوق طوله 38 كيلومتراً يحاصر الآن مدينة الفاشر. وربط تقرير المركز البحثي هذا الحصار بتقارير واسعة الانتشار عن «إعدامات خارج نطاق القانون، واعتقالات، وخطف، ونهب، وابتزاز».
شهود عيان أفادوا بأن مقاتلي الدعم السريع اختطفوا نساء وفتيات من المنازل والمخيمات، وفي بعض الحالات أُجبر الأسرى على التبرع بالدم قسراً، حيث سُجّلت وفيات بعد إطلاق سراح بعضهم.
ومع نفاد الغذاء والدواء والمياه النظيفة، اضطر السكان إلى أكل علف الحيوانات، وهو نفسه أوشك على النفاد أيضاً. وكتب الباحثون: «الناس يموتون جوعاً بسبب انعدام الطعام. والمياه النظيفة تنفد، إن لم تكن قد نفدت بالفعل».
أظهرت الأدلة الملتقطة عبر الأقمار الصناعية تدمير ستة منشآت عسكرية وأضراراً في مرافق تابعة للجيش السوداني حول مطار الفاشر، إضافة إلى قصف ثلاثة مساجد، وجامعة الفاشر، ومحطة معالجة مياه المدينة. وتُقدّر غرف الطوارئ المحلية أن 98 في المئة من مصادر المياه النظيفة قد دُمّرت.
بعد عام من التحذيرات، قال الباحثون إن الوضع وصل إلى نقطة الانفجار.
على مدار أكثر من عام، ظل مركز أبحاث حقوق الإنسان في جامعة ييل يحذر من أن الوقت ينفد بالنسبة للمدنيين في الفاشر. «إن الأدلة المتزايدة على ارتفاع عدد القتلى، وتدمير ما تبقى من البنية التحتية الحيوية للمدينة، واستمرار إحكام الحصار… تشير إلى أن الوقت قد نفد بالفعل»، اختتم التقرير.
من جانب آخر، أطلقت وكالات الإغاثة العاملة في السودان تحذيراً الجمعة بشأن الأضرار البالغة التي يتعرض لها الأطفال مع استمرار النزاع.
بعد أكثر من عامين من الحرب الأهلية، أصبح أكثر من 25 مليون شخص يعانون من الجوع الحاد، فيما يحتاج ما لا يقل عن 20 مليون شخص إلى خدمات صحية عاجلة.
وحذّر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة (WFP) من أن الأسر النازحة في بعض المناطق لم تتلقَّ أي مساعدات منذ ثلاثة أشهر، معلناً أن العجز في التمويل أجبره لأول مرة على تقليص الدعم في المناطق التي لا يستطيع الوصول إليها.
وقالت ليني كينزلي من برنامج الأغذية العالمي في مناشدة عاجلة لتوفير المزيد من التمويل الدولي: «حجم الاحتياجات في السودان ضخم لدرجة أننا مضطرون لاتخاذ قرارات صعبة بشأن من يتلقى المساعدة ومن لا يتلقاها. هذه قرارات محطّمة للقلوب».
وحذّر العاملون في المجال الإنساني من أن الأطفال معرّضون للخطر بشكل خاص، حيث يشهد السودان ارتفاعاً مقلقاً في معدلات سوء التغذية، لا سيما بين الأطفال وأمهاتهم.
وفقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) وشركاء يعملون في قطاع التعليم، فإن نحو 13 مليون طفل من أصل 17 مليوناً بقوا في السودان أصبحوا خارج المدارس.
ويشمل ذلك سبعة ملايين طفل مسجّلين لكنهم غير قادرين على الحضور بسبب النزاع أو النزوح، إضافة إلى ستة ملايين طفل في سن الدراسة لم يُسجَّلوا للعام الدراسي.
وعلى الرغم من أن الوضع في السودان يبدو مأساوياً لدرجة تجعل العودة إلى المدارس غير ذات أولوية، تصر وكالات الإغاثة على أن غياب التعليم له آثار مدمرة على حياة الأطفال، نظراً لما توفّره المدارس من دعم إضافي إلى جانب التعليم.
وضمن المحاولات والمساعي الدولية لإيجاد حلول لوقف الحرب في السودان، أقدمت الولايات المتحدة وكل من السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، مطلع هذا الأسبوع، على تقديم مقترح لهدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر في السودان، تعقبها هدنة دائمة.
وفي بيان مشترك، دعا وزراء خارجية ما يُعرف بدول «الرباعية» إلى عملية انتقالية تستمر تسعة أشهر عقب الهدنة، تمهيداً لإرساء حكم مدني.
وجاء في البيان: «لا يوجد حل عسكري قابل للتطبيق لحل النزاع، والوضع الراهن يخلق معاناة غير مقبولة ومخاطر على السلام والأمن».
اندلع النزاع في السودان في نيسان 2023 عندما تحولت التوترات بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع شبه العسكرية إلى مواجهة مفتوحة. وقد أدى القتال إلى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث قُتل نحو 40 ألف شخص، وتم تهجير أكثر من 12 مليون آخرين. أما من تبقى داخل البلاد فقد اقتربوا من حافة المجاعة.
عن وكالات عالمية










